الانتفاضة تكسر التطبيع
ضمن القوانين والسُّنن التي تحكم النفس البشرية، يبرز قانون الصراع ما بين القيم والمبادئ الأخلاقية من جهة، وبين المنافع والمصالح من جهة أخرى، وهنا يتخذ الناس مواقفهم، فهي إمَّا أن تكون مبنية على القيم حتى لو اقتضى ذلك التضحية بالمصالح الآنية، وإما أن تكون خاضعةً للمنافع والشهوات، حتى لو تعارضت مع المبادئ الأخلاقية.
والحكيم الموفَّق العادل هو الذي يتيسر له أن يجمع في منطلقاته وأعماله بين المبادئ والمصالح، أما الأحمق والجاهل فهو من يغلّب المصلحة الموهومة فيخسر المبادئ والمصالح معًا.
وعند تطبيق هذه المعادلة على ما نشهده من هرولة نحو التطبيع مع العدو الصهيوني، فإننا نرى من الناحية الأولى أنَّ هذا السلوك الخيانيّ لا يمكن أن ينسجم مع قيم العدالة ومكارم الأخلاق، ما دامت “إسرائيل” هي الكيان الغاصب القائم على الباطل والعدوان.
أما من الناحية الثانية، فإنّ المطبعين المتخاذلين يجندون وسائل إعلامهم وأصحاب الأقلام والألسنة المأجورة لتبرير التطبيع، على أساس أنه يأتي لتحقيق مصلحة شعوب المنطقة ورفاههم.
والجواب على ذلك واضح من خلال العدو نفسه، الذي أثبتت كل تجارب التعامل معه أنه لا يمكن أن يرعى إلا مصالحه، وأنه لا يحمل إلا العداوة لكل من حوله. ومن يتأمل في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للدول التي سبقت إلى التطبيع يعي ذلك تمامًا.
إنَّ الشعب الفلسطيني المجاهد هو الأحقُ في الحديث عن قرار الحرب والسَّلام، وليس أمراء النفط ممَّن تألفهم ساحات الترف والهوى وتنكرهم ميادين المواجهات، ثم يدَّعون اليوم أنهم يسعون للسلام لأنهم تعبوا من الحروب !
وقرار الشعب الفلسطيني واضح في التزام خيار الانتفاضة، ورفض التطبيع رغم أكاذيب الازدهار والرفاه، وقد أثبتت الانتفاضات المتوالية لهذا الشعب العظيم أنها وحدها التي تضع الحدّ لصَلف العدو وبطشه وعدوانيته؛ وهي انتفاضات تكسِر كل مبررات التطبيع، ولا شك أنها ستكسر أيضًا الأثار التي ينتظرها العدو منه.
وما هرولة المطبّعين اليوم إلا إعلانٌ صريح عن أنهم ليسوا إلا أدوات ذليلة في يد المحتل، وهم يعملون لتحقيق مصالحه دون مصالح شعوبهم وأوطانهم، ولن يصلوا في النهاية إلا إلى خسارة القيم والمبادئ وتضييع المصالح معًا، وهذا ما أكَّده القرآن الكريم عندما تحدث عن وعد الله بتحقيق النصر، والندم الذي سيطال أولئك المسارعين في الاستسلام له:
{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ، فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} المائدة:52.
الشيخ يوسف عباس
المنسق العام للحملة العالمية للعودة إلى فلسطين