فلسطين… سقوط الاستعمار ونهوض الإنسانية
لا يمكن تصنيف المواقف الغربية في الحرب الدائرة اليوم على أنها داعمة للكيان الصهيوني بشكل مطلق، كما عبّر العديد من كبار المسؤولين من أمريكا إلى معظم الدول الأوروبية.
ما يبدو واضحاً أنَّ هذا الغرب هو الذي يقاتل على أرض غزة، لا بأسلحته ومعدّاته ودبلوماسييه وإعلامه وأمواله فقط، بل بجنوده وضباطه شخصياً.
وإن لم تكفِ حاملات الطائرات والغواصات النووية لتوضيح هذه الحقيقة، وإن لم يكفِ موقف الغرب القطعي في التصدي لأي محاولة لفرض وقف الحرب الصهيونية الهمجية، فإنَّ هذا الغرب مستعدٌ للذهاب إلى أبعد مدى للتأكيد على حضوره الطاغي، حتى وإن اقتضى الأمر أن يقوم كبار مسؤوليه بحركات استعراضية سخيفةٍ إلى حدّ الغثيان، ومخالفةٍ لأي تقليد ديبلوماسي معروف؛ كما فعل رئيس الوزراء البريطاني عندما نزل على أرض المطار من الباب الخلفي لطائرة شحن عسكرية، وقد تناثرت حوله صناديق الذخائر والأسلحة التي جاء بها لتعزيز قدرات الجيش القاتل الذي يملك أسلحة نووية يهدد بها، أمام سمع “العالم المتحضّر” وبصره الأعمى عن كل فضيلة.
أو كما فعل قائد القوات الجوية الألمانية، الجنرال إنغو غيرهارتز، خلال زيارته قبل يومين إلى تل أبيب، عندما قام بالتبرع بالدم لدعم الجيش الصهيوني السفّاك، قائلاً: “لقد قدمت الكثير للقوات الجوية الإسرائيلية”، ومضيفاً: “الآن وأنتم تخوضون حرباً مع حماس، يشرفني أن أكون هنا وأظهر التضامن معكم وأتبرع بالدم في حال الحاجة إليه”.
حسناً أيها الجنرال، إن كان يسرّك أن تكون شريكاً في سفك دمائنا فأنت كذلك بالفعل، وجميع قادتكم أيضاً شركاء في إراقة دماء آلاف الأطفال والنساء الذين تسمّونهم “حماس”، وتدّعون أنكم تقاتلون “حماس”، وتريدون أن تقضوا على “حماس”؛ والصحيح أن المفردة الصادقة في كل هذه العبارات هي “الشعب الفلسطيني”.
ومن أجل أن نكون واضحين وصادقين، فإنّنا نقول لك ولمن وراءك: هذا الشعب الفلسطيني، وجميع شرفاء العالم، والشعوب الحرّة في هذا الشرق وأممه وأديانه من عرب وكرد وترك وفرس ومسلمين ومسيحيين وغيرهم؛ هؤلاء لا يقاتلون الكيان الصهيوني بذاته كما تظنون !
هؤلاء جميعاً يقاتلون الظلم من أجل العدالة، ويقاتلون الحرب من أجل السلام، ويقاتلون الطغيان من أجل الحرية، ويقاتلون الاستغلال من أجل الإنصاف، ويقاتلون الكذب من أجل الصدق، ويقاتلون العنصرية من أجل الكرامة، ويقاتلون الاستعمار من أجل الاستقلال.
وهذا الكيان أيها الجنرال يمثل بالنسبة إليهم الظلم والحرب والطغيان والاستغلال والكذب والعنصرية والاستعمار، هو ومن يقف وراءه، أي أنت وقادتك… وثلة صغيرة جداً من شعوبكم، وليست الأكثرية أبداً؛ لأن الأكثرية مثلنا وليست مثلكم.
هذه هي معركتنا، وأنتم تؤكدون حقيقتها في كل مواقفكم من الحرب التي تجري اليوم في غزة بشكل أساسي، ولكن جبهاتها مشتعلة أيضاً في القدس، وفي كل فلسطين، من الخليل إلى الجليل.
ونحن مطمئنون جداً أننا نحن الغالبون، ولكن دون طغيان، وأنّ كل الأكاذيب التي روّجتم لها باسم المدنية والتقدم والازدهار سوف ينقشع ضبابها عن سقوط، سقوط المنظومة الفاسدة المفسدة التي تلعب بمقدرات هذا العالم وأرواح أبنائه.
نحن لا نتكلم بمنطق نهاية التاريخ الذي روّجتم له منذ عقود، ولا بلغة صراع الحضارات، لأن الحضارات الحقيقية تتكامل ولا تتصارع أبداً.
ولكننا نستقي من معين اليقين الذي نراه في كتب السماء التي تنزّلت في أراضينا، لنؤكد بأن هذا الصراع الذي تدور رحاه اليوم في محور القدس سينتهي لا محالة إلى إعلان انتصار العدالة والسلام والحرية والإنصاف والصدق والكرامة والاستقلال.
وأنَّ جولة اليوم سيكون ختامها بانتصار غزة، وتحرير كل أسرانا بإذن الله.
بقلم الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين