طوفان الأقصى يرسم الخارطة
لا أظن أن بإمكان أي شخص استخلاص كل العِبَر والدروس والتغيرات التي أحدثها طوفان الأقصى على كافة المستويات، سواء على المستوى الداخلي الفلسطيني، أو على المستوى العربي والإسلامي، أو على المستوى الدولي.
لقد رسم طوفان الأقصى خارطة إنسانية جديدة، حدد من خلالها كل المواقع، بداية من موقع الكرامة والحرية الإنسانية، وانتهاءً بكشف زيف كل روايات التضليل التي يستخدمها المستكبرون الساعون لاستعباد الشعوب، وسرقة خيراتهم، وسحق شخصياتهم، وسَوْقهم وكأنهم قطيع بلا رأي ولا وجهة، إلا حيث يتحرك المرياع الذي يتقدمهم.
من هذه الدروس العميقة جدًا: أن هذا الكيان ليس إنسانيًا، ولا ديمقراطيًا، ولا مدافعًا عن حق مسلوب منه، بل هو كيان مارق وخارج عن كل الضوابط الإنسانية. إنه كيان قاتل ونازي بامتياز، يمارس سياسة التضليل في رواياته منذ أكثر من 76 عامًا، لذلك شهدنا سقوط الرواية الصهيونية عند الكثير من الشعوب الغربية التي كانت إلى وقت قريب تدافع عنها، وتعتبر أن من حق هذا الكيان الدفاع عن نفسه، وخاصة بحجة أنه يعيش في محيط يرفضه جملة وتفصيلًا، وأن الشعوب العربية تتعامل معه بوحشية إرهابية.
لقد انهارت هذه الرواية بكل مقولاتها، ورأينا حجم التضامن مع الحق الفلسطيني، مقابل وصف الكيان الصهيوني بأنه مجرم وقاتل وخارج عن كل القوانين الإنسانية. سقطت الرواية رغم كل الأموال التي أنفقها الكيان وداعموه من مختلف الجنسيات.
وصدق فيهم قول الله تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾.
ومن الدروس أيضًا: أن طوفان الأقصى أعاد الثقة بالنفس لدى الكثير من الشعوب العربية، وأثبت أن هذا الكيان يمكن هزيمته، وأنه ليس قدرًا محتومًا لا يمكن تغييره. فحالة الإحباط التي عاشتها الأمة العربية والإسلامية ما هي إلا نتاج انبهار وهمي بقوة هذا الكيان، صاغته أيدي المستكبرين والمستعمرين ودهاة الصهاينة من جهة، وأيدي الخونة والعملاء والمنتفعين الباحثين عن الزعامة ولو على حساب دينهم وكرامتهم وحريتهم من جهة أخرى. أعاد طوفان الأقصى، مع الثقة، الشعور بالعزة والكرامة، وشفاء الصدور.
وصدق فيهم قوله تعالى:﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾.
ومن هذه الدروس الهامة جدًا: عودة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث من جديد، حيث أصبحت العنوان الأول في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وعلى ألسنة المحللين الأمنيين والعسكريين، وكذلك في الحراك الثقافي والحواري لدى المهتمين بالشأن الإنساني وحقوق الإنسان. وتبرز قيمة هذا الدرس عند رصد الكم الهائل من البرامج التي كانت تهدف إلى عزل القضية الفلسطينية عن المشهد الإنساني والعربي، وإشغال الشعوب العربية بقضايا تافهة. ويمكننا إدراك ذلك عندما نتابع برامج التفاهة التي صُنعت لاستغفال الشعوب، خاصة العربية والمسلمة.
عاد المشهد ليؤكد قول الله تعالى:﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾.
وأخيرًا، هناك درس عميق جدًا، ألا وهو “أن المقاومة هي الخيار الأمثل”. ومهما كانت كلفة الجهاد عالية، فإن كلفة القعود أكبر. فحياة العزة والكرامة لا تُضاهى بأي قيمة أخرى.
وقد أثبت المجاهدون هذه المعادلة وسقوها بدمائهم الطاهرة. لذلك رأينا جنون الكيان غير المسبوق لسحق خيار المقاومة، لأنه يُشكّل التهديد الأكبر لوجوده.
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو