انتصارٌ لفلسطين
تمَّ الإعلان عن وقف إطلاق النار في لبنان، دون أن يتمكّن العدوان الصهيوني من تثبيت أقدامه على منطقةٍ واحدة ولو صغيرة من جنوب لبنان، وكي نفهم أهمية هذا الاندحار الصهيوني، وعَجْزَ العدوان عن تحقيق أهدافه، فلابدّ لنا من تعريف معركة الجنوب تعريفاً صحيحاً، وإضافتها إلى ميدانها الحقيقي، وبداية هذا التعريف تكمن في معرفة العدو والمعتدي، وتحديد الغاية، وبيان المسؤولية؛ وإلا ضاع الفهم وتغيرت الحقائق وفقدنا الاعتبار.
أمَّا العدو فهو الصهيونية المجرمة الغاصبة، ومَن أنشأها ولا زال يمدّها بالسلاح والمال والمعلومات، ويوفّر لها الحماية السياسية والغطاء الإعلامي.
لقد اعتُدي علينا منذ أكثر من مئة عام، يوم غَزَتْ جيوش الحلفاء بلادنا، ودارت المعارك الكبرى على حدود غزة عام 1917، لتنتهي بدخول الجنرال “إدموند اللنبي” إلى القدس تحت عنوان: (إنقاذ القدس بعد 673 عاماً من الحكم الإسلامي)، وهو الرقم الذي يشير إلى عام 1244 ميلادية، تاريخ خروج الجيوش الصليبية من القدس الشريف.
بعد هذا الغزو جاء الانتداب، وخلَّف لنا الانتداب دولة مارقة وكياناً عنصرياً قام على المجازر، وآخرها حوالي 3900 مجزرة في غزة ولبنان خلال عام واحد فقط.
هذا هو العدو، وليس المسلم الذي يخالفنا في المذهب، وليس المسيحي أو غيره ممن يعتنق ديناً آخر، وليست القومية مَن تجعل أيّ إنسان عدواً لنا، بل هو البغي والعدوان، والله أمرنا أن نقاتل من يبغي علينا، ومن يخرجنا من ديارنا،
أمّا الغاية فهي إزالة العدوان وتحرير الأرض واستعادة الحقوق، وغايتنا بعد ذلك أن ندخل في السلم مع جميع الناس كما أمرنا الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾.
وأمّا عن المسؤولية؛ فمما لا شكَّ فيه أنَّنا جميعاً مسؤولون عن ردّ العدوان، وصيانة الأنفس والأوطان، وحماية الإنسان، وليس في قاموسنا تحميلُ المسؤولية للفلسطينيين وحدهم، وإلا كنّا أغبياء نتجاهل الأطماع الصهيونية، وناكثين نتجاهل الأخوّة الإيمانية والواجبات الأخلاقية.
بناء على هذه المقدمات الثلاث، فإنَّ معركة لبنان الحالية، مثل معاركه السابقة، وإنَّ ما فعلته المقاومة منذ عدة عقود ليس إلا جزءاً من العمل المطلوب من أبناء الأمة كلهم للقيام بالمسؤولية الشرعية في مواجهة المعتدي، وبهدف تحرير الإنسان والأرض والمقدسات؛ وقد كانت قيادة المقاومة واضحة طيلة عقود بأنها تعمل على ذلك انطلاقاً من التكليف الشرعي، وليس بناء على حسابات مصلحية أو محلية.
ينطبق هذا التعريف على جهود المقاومة في اليمن والعراق وغيرها من البلدان، كما ينطبق على كل عمل فكري وإعلامي وثقافي ينطلق من الإيمان بالمقدمات المذكورة، اليوم وبالأمس وفي المستقبل، حتى تحرير فلسطين.
إذن، فانتصار لبنان هو جزء من انتصار فلسطين، وشهداء لبنان هم شهداء على درب القدس، وصبر إخوتنا المؤمنين في لبنان على ما أصابهم من لأواء وضراء وقتل وتدمير هو جزء من مواساتهم لإخوانهم في غزة والضفة وسائر فلسطين.
ولئن أصاب العدو منّا ما أصاب، فتلك سنّة الله في دَفع المجرمين بالمؤمنين، وتمحيصٌ وابتلاء، ونحن لا نملك إلا التسليم والرضا، وأن نسأل الله سبحانه السَّداد والثبات.
ولئن ارتقت ثلّة من خيرتنا وأشرافنا وأهل الفضل منَّا شهداء إلى الله سبحانه وتعالى؛ فلا نملك إلا أن نتأسى بسيدنا رسول الله (ص) فلقد استشهد خيرة أصحابه وأحبابه أمام ناظره الشريف، فما وهن وما ضَعُفَ وما استكان، بل مضى على بصيرة من ربّه سبحانه وتعالى، حتى أرسى دعائم الحقّ والدين، فرحمةُ الله على قادتنا وشهدائنا، وهنيئاً لفلسطين نصرُ لبنان.
مسؤول قسم التخطيط والدراسات في الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين
الشيخ محمد أديب ياسرجي