مقالات

نشجب… نستنكر… وكفى!

كل من يُراقب الحراك نحو ما يجري في فلسطين عمومًا، وعلى غزة خصوصًا، تُصيبه الدهشة الممزوجة بالألم تارة، وبفقدان التوازن الفكري والعقدي تارةً أخرى، ويُصاب بدوار عنيف يأخذه إلى أعماق المحيط الإنساني ليجد فيه كلمة واحدة: “لماذا؟”

لماذا تتحرك جنوب أفريقيا، وتجمع كل الطاقات القانونية والإنسانية، وتعقد الاجتماعات ليالي وأيامًا، وتتشاور حول القضايا لتصوغ مذكرة مُحكمة من كل أطرافها، تُدين فيها الكيان الصهيوني بجريمة الإبادة الجماعية وانتهاك حقوق الإنسان في غزة؟

لماذا يُشكّل قضاة تشيلي فريقًا قانونيًا محترفًا، يجمع الأدلة التي تُدين جنديًا صهيونيًا ارتكب جرائم ضد المدنيين في غزة، ويقاضونه أمام محاكمهم المختصة؟

لماذا يجتمع محامون ألمان ويصيغون مذكرة احترافية لمقاضاة حكومتهم على دعمها للكيان الصهيوني في جرائمه ضد المدنيين في غزة، بما يشمل سياسة التجويع والقتل، وقصف المستشفيات، واستهداف الكوادر الطبية؟

لماذا يقود المحامي الفرنسي “جيل دوفير” فريقًا إعلاميًا مكوّنًا من حوالي 400 محامٍ دولي متخصص في القضايا المتعلقة بجرائم الإبادة الجماعية والقانون الدولي الإنساني، ويرفع دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية لإدانة الكيان الصهيوني بجريمة إبادة الشعب الفلسطيني؟

لماذا رأينا وزراء غربيين وأصحاب مناصب سياسية رفيعة يستقيلون من مناصبهم بسبب دعم حكوماتهم للكيان الصهيوني، ورفضهم المساواة بين الضحية والجلاد؟

إذا تابعنا السؤال: “لماذا؟”، لطال بنا الأمر كثيرًا، ولغرقنا في تلك الدوامة اللعينة.

من هنا نتساءل: أين موقف البرلماني العربي والإسلامي مقارنةً بنظيره الغربي؟ لماذا ذلك يُخطط ويعمل ويتحرك، بينما يكتفي الأول بالشجب والاستنكار ــ إن قام به ــ ثم يعود إلى حياته وكأن شيئًا لم يكن، لأن الحفاظ على المنصب أقدس من كل القيم الإنسانية!

وكذلك نتوجه إلى المتخصصين في القانون الدولي، وجهابذة العلاقات الدولية، والقانونيين المختصين بملاحقة مجرمي الحرب: لماذا يكتفي الكثير منكم بالشجب والتنظير في الغرف المغلقة، بينما يصمت أمام المحاكم الدولية؟ لماذا نراكم خبراء قانونيين من الدرجة الأولى عندما تكون القضية متعلقة بحاكم مستبد يريد إقامة الأدلة على شعبه ليقتلهم “قانونيًا”!

أما طبقة رجال الدين، التي أخّرت ذكرها عمدًا، أسألها: “لماذا؟” لماذا تكتفي هذه الطبقة ذات التأثير الكبير في تشكيل الرأي العام بالمناشدة والتنظير، وتتجنب قيادة المجتمع كما هي وظيفتها وواجبها الديني؟ ولماذا نجدها قريبة من الحكام المستبدين، تتحرك لتحريك الشارع فقط عندما يطلب ذلك الحاكم؟

يبدو أننا بحاجة لجرعة كبيرة من ماء الحرية، نسقي بها تربة كرامتنا وإنسانيتنا، لتنبت فينا روح رفض الذل والمهانة، وروح الجهاد والعزة والإباء، وروح قول الحق حيث ينبغي في الزمان والمكان. نحتاج إلى تربية جيل العودة والتحرير.

منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى