مقالات

فلا تهِنُوا

كل الوقائع التي نراها في فلسطين، وكل الأحداث التي تتعلق بفلسطين وتجري في العالم؛ تؤكد أنَّ العدوَّ الصهيوني ومَن معه – الذين يمدّونه بالسلاح الفتاك والأموال، ويسمحون له بتجاوز القانون الدولي، ويحمونه من المساءلة القضائية – لا يبحثون عن السَّلام أبداً، وليست لديهم أي نيّة في الاستماع إلى مطالب الفلسطينيين وشكواهم، فضلاً عن الاستجابة ولو لجزء منها؛ فما بالنا بالاعتراف بحقهم في الحرية والاستقلال.

عينُ العالمِ، حكّامِه والمسيطرين على القرار الدولي، عمياء عن الحقّ الفلسطيني، ولا ترى إلا مصالحها في السيطرة والتحكم بمقدرات الشعوب ونهب ثرواتها.

ولسانُ العالم ينطق بالشعارات البراقة، ويتحدّث زوراً عن جمال ما يصنع، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَاتُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ﴾.

أمّا على صعيدنا نحن في العالم الإسلامي فإنّ الموقف يدعو إلى العجب، ويجعل الإنسان في حَيرة من الأمر، فلا يجد لنا وصفاً أصدق من كلام سيدنا المصطفى: (ولكنكم غثاءٌ كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ اللهُ من صدور عدوكم المهابةَ منكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهْن).

وفي تحليل هذه الحال وكيف وصلنا إليها، يقول مفتي الموصل السيّد محمد حبيب العبيدي رحمه الله: (إنما كان العرب والمسلمون أضعفَ الأمم والشعوب في معترك الحياة لخفّة وزنهم في ميزان الحقوق والواجبات: أمَّا الحقوق فما زالوا يتساهلون في حفظها شيئاً فشيئاً حتى أضاعوها، وأما الواجبات فما انفكّوا يتقاعسون عن أدائها جيلاً بعد جيل حتى أهملوها. ومن هنا جاءهمُ البلاء وعمَّهم الشقاء وكانوا هدف مطامع الأقوياء. ولهذا يُساق الحديث، وتلك هي جرثومة الداء.

أمَّا الحقوق التي تساهلوا في حفظها حتى أضاعوها فهي الحرية والاستقلال؛ ولو لم يهملوا الواجبات لعاشوا – كما كانوا – سادة أحراراً، ولم يعضَّهم الأقوياء بناب الاستعمار.

وأمَّا الواجبات التي كان إهمالها السبب في ضياع تلك الحقوق، وفي احتمال الأرزاء والنكبات وحمل أعباء البلاء والشقاء فهي وافرةٌ جمَّة، وتتلخص في وجوب العناية بثلاثة أمور أساسية: العلم، والقوة، والاتحاد).

إنَّها إذن الحرية والاستقلال، والطريق إليها عبر العلم والقوة والاتحاد، وكلها مفقودة إلا عند فئة قليلة من هذه الأمة، أو إنهم يعرّفونها بغير معناها الحقيقي، ويضعونها في غير مواضعها الصحيحة، ويا للأسف.

والمستثنى من هذه الحال هم أهل فلسطين المتمسكون بالحقوق، الصابرون على البأساء والضراء التي بلغت أقصى ما وصل إليه الضرّ والشدة في هذا الزمان؛ ومعهم أولئك الذين يواسونهم بالموقف الجريء أو الكلمة الصادقة أو الدعاء الضارع إلى الله.

ولهؤلاء المؤمنين الواثقين بوعد الله رغم المثبّطين والمكذبين نتلو عليهم قول الله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

وللأمة التي يُنتظَر منها النصر والمؤازرة نتلو: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾.

وعلى المجرمين المستكبرين في الأرض الذين يمكرون السوء نتلو: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾.

أمانة سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى