ما وراء الجبهة.. المعركة على الشرعية
بينما تتواصل المجازر اليومية في غزة، وتتساقط الصواريخ الصهيونية فوق رؤوس الأطفال والنساء، تتجه أنظار الكثيرين إلى الجبهة العسكرية وحدها، غافلين عن معركة أخرى لا تقل خطورة: معركة تجريد المقاومة من شرعيتها، وعزلها سياسيًا وقانونيًا وأخلاقيًا أمام العالم.
لم تعد الحرب تُخاض بالسلاح فقط، بل بأدوات أشد فتكًا: قرارات أممية جاهزة، ومحاكمات انتقائية، ومنصات إعلامية تصنع صورة الجلاد ضحية والمُحاصر إرهابيًا. لقد تحول النظام الدولي، الذي يدّعي حماية الشعوب، إلى أداة ضغط لإسكات المظلومين وتجريم حقهم المشروع في المقاومة.
المعركة اليوم لا تقتصر على الأرض أو خطوط النار، بل تدور على معنى المقاومة ذاته: على حقها في الوجود، ومشروعيتها، وموقعها في الوعي الجمعي للأمة. وهذا الاستهداف لا يقتصر على فلسطين وحدها، بل يمتدّ لإخماد روح المقاومة في كامل المنطقة العربية والإسلامية، وتحويلها من طاقة نهوض إلى عبء نفسي وسياسي يُراد للشعوب أن تتبرأ منه.
هنا تكمن الخطورة الأعمق: تجريد المقاومة من هويتها الأخلاقية، وإقصاؤها من الضمير العالمي، وعزلها عن عمقها الشعبي. وهذه هي المعركة الأخطر: معركة الذاكرة، والوعي، والمستقبل.
إن مسؤوليتنا في هذه اللحظة التاريخية أن نفهم قواعد الاشتباك الجديدة. لسنا بحاجة إلى صواريخ ومقاتلين فقط، بل إلى خطاب مقاوم ذكي يُعيد تقديم القضية للعالم بجرأة، لا من موقع التبرير الدفاعي، بل من موقع الحق والمشروعية والإنسانية. نحتاج إلى جبهة قانونية وإعلامية وثقافية تُرافق الميدان، وتكسر الحصار الدولي الذي يريد تحويل المقاوم إلى مُدان، والضحية إلى متّهم، والأمة بأكملها إلى مستسلمة صامتة.
فالانتصار اليوم لا يُقاس فقط بخرائط الأرض، بل بقدرتنا على حماية معنى المقاومة في وعي شعوبنا والعالم: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ )محمد: 7(
المنسق العام للحملة العالمية للعودة إلى فلسطين
الشيخ يوسف عباس