مقالات

ميناء “جنوة”… وموانئ عربية وإسلامية

ماذا حدث ويحدث؟ هل أصبح الحق الذي لا مرية فيه مُنكَرًا، ويجب أن نتعامل معه من منطلق ثلاثية الإنكار؟ وهل باتت أحاسيسنا قادرة على التفاعل مع كل الأحداث التافهة، التي لا تقدم ولا تؤخر في حياتنا، بينما تعجز عن تحريك الفكر والاهتمام بقضايانا الهامة والمصيرية؟

نتابع ـ بحرقة ـ الدوري الرياضي الفلاني، وكم حقق الهداف الفلاني، ونقضي الليل والنهار في الحديث داخل النوادي والمجالس عن ذلك الدوري، رغم أننا لا نملك فيه ناقة ولا جمل! ونتابع الأخبار الفنية بدقة، ونتساءل: ماذا حدث بين الفنان الفلاني والفنان الفلاني؟ ونُحلّل المواقف، ثم نصطف مع أحدهم ضد الآخر!

ونحزن حزنًا شديدًا إذا سمعنا بمرض الممثل “فلان” أو وفاة الممثل “علان”، ونرسل برقيات التعازي مشفوعة ببعض محطاته الفنية المؤثرة… ولو استطاع بعضهم أن يرسل دموعه لفعل!

والقائمة للأسف تطول، إن أردنا الخوض فيها.

هل باتت أمة المليارين ـ التي يفترض أن تكون كالجسد الواحد ـ لا يشعر أي جزء منها بآلام الأجزاء الأخرى؟ وكأن هذا الجسد قد تمزقت أوصاله، وانقطعت شرايينه، فلا تواصل ولا تفاعل؟ وكأن سياسة “فرّق تسد” قد تحوّلت إلى ثقافة نُدافع عنها، لا نُدينها! وكأننا نقيم احتفالية نكرّم فيها “العم سايكس” وأخاه “بيكو”، لنُرضي “العم سام”، ونعلن أمامه أننا لن نخرج من تحت مظلته أبدًا!

من هناك، من ميناء “جنوة” الإيطالي ـ الميناء الذي لا يمتّ لنا بصلة دينية أو عرقية أو إثنية ـ من ذلك الميناء الذي يصفه البعض بأنه “ميناء بلاد الكفر”، الميناء نفسه الذي لطالما تحركت عبره البضائع الصهيو-أمريكية بأمان لدعم الكيان الصهيوني وداعميه… من هناك، صدح صوت الإنسانية العابرة لكل الحدود الجغرافية والدينية والعرقية، قائلًا: “يجب أن يُكسر الحصار عن غزة، ويجب أن نُقاوم سياسة التجويع الممنهج، ويجب أن يُحاسَب قادة الحرب في الكيان الصهيوني على كل الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني”.  نعم، من ذلك الميناء، تحركت كل تلك الجموع بدافع واحد: الإنسانية والكرامة والحرية لفلسطين.

فأين دور الموانئ العربية والإسلامية؟ أين دور ساستها، وعمالها، ومديريها؟ أين المواقف الوطنية والعربية والإسلامية؟ أين ذاك الدور “المكوكي” الذي كان يتحرك سريعًا لخدمة قضايا تخصّ نجاح المشروع الغربي؟ لماذا توقف؟ بل لعلّ أوامر قد صدرت من “الباب العالي” بتوقيفه!

لقد قام عمّال ميناء “جنوة” الإيطالي بواجبهم الإنساني في التضامن مع غزة، غزة التي تقاتل باللحم الحي، رافضة حياة الذل وسحق الكرامة، رافضة مشروع الهيمنة الذي تقوده الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وأذنابهم في المنطقة. فأين عمّال الموانئ العربية والإسلامية، الذين تربطنا بهم أواصر اللغة، والعرق، والدين؟

يبدو أننا بحاجة إلى العودة إلى الجذور، لإعادة رسم منظومتنا الثقافية، تلك التي تحدد خارطة كرامتنا وحريتنا، وتضبط لنا بوصلة الجهاد، وترسم ملامح الصديق من العدو… دون أي غبش.

منسق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى