مقالات

غزة.. بين مكر الأعداء وعدالة السماء

بقلم الشيخ محمد الناوي

(ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (الأنفال 30)

لم يكن العدو الذي سخر له العالم كل إمكانات التسليح والقتل ليلجأ إلى صفقة وهدنة إلا بعد فشله في تحقيق أهدافه واستعادة أسراه بقوة السلاح، فدبر ومن معه خدعة تخرجه من مأزق العار والمحاسبة تحت عنوان كبير (مؤتمر السلام في الشرق الأوسط 2025) وغطّى عن هذه الخديعة بجلب رؤساء الشر والنفاق في مشهد (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) (الكهف 104).

من المؤكد أن خديعة (مؤتمر السلام) لم تنطلِ على الشرفاء ولا على مقاومي غزة ومفاوضيها الشرفاء، ولا حتى على الشعوب الحرة في العالم، ومن المؤكد بعد كل هذه التضحيات أن قبول أهل القضية ببعض بنود الاتفاق لا يعني استسلامهم بقدر رغبتهم في رفع المعاناة عن أهلنا الغزاويين الذين عانوا الويلات، فهم يدركون أن المعركة مع العدو مستمرة حتى زوال الاحتلال كلفهم ذلك ما كلفهم، ويدركون أن المعارك هي كرّ وفرّ، نصر في جولة وهزيمة في جولة أخرى، ولكن المصيبة الكبرى تكمن في الجهات الرسمية التي أصرت على عرض هذه المسرحية وادعت أنها الضامنة لنجاحها ونحن نراهم اليوم أعجز من النطق بكلمة بعد نقض العدو لاتفاق الهدنة وقتله للعشرات من المدنيين الأبرياء.

لقد بات من المؤكد أن العدو قد صار عاجزًا تمامًا على استرجاع صورته التي روج لها قرابة ثمان عقود تحت عناوين الشعب المضطهد والناجي من المحارق النازية، والدولة التي تمثل نموذجًا للديمقراطية في الشرق الأوسط والتي تبحث عن العيش بسلام في وسط أنظمة متخلّفة، وعليه، فإن كان للطوفان إنجاز وحيد فهو تعرية العدو وعرض صورته الحقيقية البشعة أمام العالم وهذا في حد ذاته قد مثل الضربة التي قصمت ظهر البعير وهو إنجاز استراتيجي كبير… فالعدو وإن كان قادرًا عبر أدواته في ترويض حكام العالم، إلا أنه بات منبوذًا من كل الشعوب، وإن كان بإمكانه التملص من المحاسبة أمام المؤسسات الدولية ولو لحين، فإن محكمة الشعوب قد أصدرت حكمها النهائي فيه، وحكم الشعوب لا يقبل أقل من إزالة هذا الكيان من الوجود لتستريح البشرية من معاناتها.

إن غزة اليوم في أشدّ الحاجة إلى وقفة صادقة وقوية من شعوب العالم التي كانت في الموعد واتحدت ضد إجرام العدو، ومطلوب من تلك الشعوب الحية أن تواصل تظاهراتها ودعمها لغزة وكذلك تواصل الضغط على حكوماتها لمقاطعة الكيان سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وسحبه إلى المحاكمة.

إن الإنسانية قاطبة ستكون مدينة إلى غزة التي أيقظت فيهم إنسانيتهم بعد أن أُعدمت، وأن ما دفعه أهل غزة من دماء غالية يعجز كل العالم عن دفعها يستحق عدالة كونية تسحق كل أشكال الظلم وتعيد للإنسانية كرامتها. فغزة بمليوني مواطن قد حاربت كل الظلم في العالم في أصغر مساحة جغرافية، وهذا يعني قوة البطش في مقابل الحجم الكبير للمعاناة والتضحيات… واليقين ثابت في قوله تعالى: (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (يوسف 21).

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى