مقالات

فريضة أضعناها

كلما رصد أحدنا أداء الأحزاب أو الجماعات أو الهيئات الدينية منها أو القومية أو العلمانية، وتعمق في تحليل برامجها أو أدبياتها أو تصريحاتها عند الأحداث الهامة، وقف حائراً، هل المطلوب والخيار الأفضل أمام هذه الأحداث هو فقط الاكتفاء بالشجب والاستنكار والإدانة وغيرها من وسائل التعبير عن الأزمة التي تعيشها الأمة، ثم يعود كلٌ إلى عمله ومكتبه وبرنامجه الحزبي أو إلى النص الديني ليمارسه ممارسة تراثية، ثم ينتظر الكل حدثاً آخر ليمارسوا نفس الدور السابق ولكن ضمن ظروف وأشكال جديدة؟ وتبقى الأزمات في ازدياد، ومن غير حل جذري، بل ربما ورّثناها للأجيال القادمة بكل ما فيها من عورات.

لن أخاطب اليوم كل تلك الأحزاب، بل سوف أتوجه إلى الفئة التي أنتمي إليها، والتي تتوجه إليها هذه النشرة الأسبوعية، وهي فئة السادة العلماء وارثيّ النبوة والرسالة، وحرّاس هذا الدين الذي رضيه الله لنا حتى نهاية الكون وقيام قيامته ﴿ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ إن جاز للكل أن يتحدث ثم يخلُد للراحة فإن ذلك لا يصح من وراثي النبوة، كونهم الأمناء على دين الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكذلك كونه غير محصور بزمن معين أو منطقة معينة أو شعب معين، وغير قابل لفقدان صلاحيته على مر الزمن.

لو سأل أحدنا نفسه بتجرد، كيف سأشرح لجمهوري حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم [مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم.. كمثل الجسد الواحد..] الحديث، أو حديث [انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً..] الحديث، أو حديث [المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه] الحديث، كيف سأشرح هذه الأحاديث في زمن يُشاهد المخاطبون بهذه الأحاديث كيف يعيش الأكثر من هذه الأمة حياة مقطوعة عن المعاني الواردة في طيات هذه الأحاديث، وفي ثنايا القرآن الكريم، وكأن هذه القضايا لا تعدو كونها أدبيات جميلة نُرصع بها خطاباتنا، ونتفاخر بها أمام الغير، ولكنها لن تتجاوز تلك الحدود أبداً، كيف سيفهم تلك المعاني وهو يرى أهالي غزة والسودان على سبيل المثال لا الحصر، كيف يُعانون من فقدان الطعام والشراب والدواء والأمن والسكن، وكيف يفقد كل منهم أحبابه أمام عينيه، ثم يبحث مُتلمساً للنصير والأخوة والدعم ووحدة الموقف والشعور، فلا يجد سوى أقوال لا تتجاوز ربما جدران المكان التي تخرج منه، ثم يسأل أين أثر الثقافة الدينة لتلك المعاني التي كنتم تُحدثونا عنها؟ بل الأدهى من ذلك عنما يعلم أن البعض العربي والمسلم متورط بتلك الحرب عليه، وينظر إلى الطرف الآخر لهذه المعادلة الصعبة فيرى أن البعض العربي والإسلامي يُقدّم كل أنواع الدعم للقاتل المجرم والعدو، ويمنعها أهلها ! ماهو الموقف المطلوب من هؤلاء الحراس لهذا الدين ؟

الجواب باختصار شديد.. صياغة الإنسان هي البداية الحقيقية، صياغة فكره وعقيدته ونظرته للكون والإنسان والحياة، وبعدها سيعرف واجبه في كل لحظة وموقف، ولن تضيع بوصلته أبداً.

منسق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى