أهل غزة أصحاب الجائزة
لشهر رمضان سمات ترتبط به ويضاف إليها، فرمضان شهر الصيام، ورمضان شهر القرآن الكريم، ورمضان شهر المواساة، ورمضان شهر الصبر، ورمضان شهر الجود، ورمضان شهر الجهاد.
والعيد بعد رمضان مستحق لمن أعطى رمضانَ حقّه، ولمن قام بواجبه على الوجه الصحيحة، ولمن أدى في رمضان ما یلزم من الطاعات والقربات.
وإذا كان يوم العيد يومَ الجائزة كما ثبت في الحديث النبوي، عن سعيد بن أوس الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كان غداة الفطر وقفت الملائكة في أفواه الطرق فنادوا: يا معشر المسلمين اغدوا إلى ربّ رحيم، يمنّ بالخيرات ويثيب عليه الجزيل، أُمرتم بصيام النهار فصُمتم، وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم.
فإذا صلوا العيد نادى مناد من السماء: ارجعوا إلى منازلكم راشدين، قد غُفرت ذنوبكم كلها. ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة”. فإن الجائزة لن تكون إلا من نصيب السابقين الأولين الذين أدركوا الغاية وساروا بهمة نحو النهاية، ووصلوا إلى نهاية المضمار قبل غيرهم، فكان لهم أن يستحقوا الجائزة والعطاء والتقدم على غيرهم.
ولئن أردنا أن نبحث عن مستحق الجائزة العيد لهذا العام والمتقدم على المتسابقين في رمضان، فما أجدر الذين جمعوا بين الصيام والقيام وتدبر القرآن والمواساة فيما بينهم والصبر على البأساء والضراء، ثم أضافوا إلى ذلك كله مجاهدةَ عدو الله وعدوهم، والمرابطة على الثغور، وتقديم الغالي والنفيس من دمائهم وأموالهم وأنفسهم قرباناً طاعة لله وفي سبيل مرضاته ودفاعاً عن أرضهم وعيالهم ومساجدهم وحقوقهم؛ ما أجدر هؤلاء بأن يكون رمضان لهم، والعيد لهم، وأن تكون جائزة الله سبحانه وتعالى لهم، وهي رضاه وغفرانه ومحبته.
هؤلاء هم أصحاب الجائزة ، والآخرون بعدهم وتالون لهم، وما أصحاب الجائزة هؤلاء إلا أهل غزة والمرابطون حول المسجد الأقصى والمجاهدون المقاومون في الضفة وأرجاء فلسطين وعلى ثغورها وحدودها من كل جانب. لأهل غزة يهدى العيد، ومن أجلهم تعد الجوائز والمنح، فهم القائمون بالفرائض والمؤدون للحقوق.
ولئن كان كل مؤمن من الناس يرجع إلى بيته في يوم الجائزة، كما قال منادي السماء: “ارجعوا إلى منازلكم راشدين، قد غُفرت ذنوبكم كلها”، فإن أهل غزة لا يجدون بيتاً يرجعون إليه، فقد دمّر العدوان معظم البيوت والمدارس والمساجد وأي مكان يمكن أن يأوي إليه الناس، حتى تلك التي ترفع علم الأمم المتحدة، التي عجزت عن إدانة هذا الكيان المجرم والمعتدي.
يعود الناس إلى بيوتهم، ويعود أهل غزة إلى خيامهم المنصوبة في العراء، والفقيرة إلى أدنى مقومات العيد، ولكنها الغنية بالكرامة والعزيزة بالإيمان والمتقدمة على غيرها لا بسُبل الرفاهية ولكن بسُبُل الفلاح. لغزة وفلسطين تنحني الأعياد، ولأجلها يستحق العمل والجهاد، وهي لا شك منصورة بإذن الله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (157)﴾ آل عمران.
بقلم الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين