غزة.. الطوفان وفلسطنة شعوب العالم

بقلم الشيخ محمد الناوي
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (آل عمران: 173)
هل من قدر الشعوب المضطهدة أن تستسلم وتقبل الذل أمام غطرسة وتجبّر الطغيان، أم أن استمرارها في المقاومة هو الكفيل بتغيير أقدارها إلى واجهات العز والاستقلال؟
عامان كاملان مرا على طوفان العزة، قاومت فيهما غزة ببسالة كما لم تقاوم منذ النكبة، وتحمل فيه أهلنا الصابرون كل أوجاع الأمة وآهات الأقصى في زمن انقسمت فيه الأمة واضطربت أولوياتها، حتى أن حواضرها الدينية أعطت بظهرها لأقدس قضية، وعجز الموقف الرسمي العربي والإسلامي عن دفع القتل والجوع عنهم، وتهاوت فعالية المنظمات الدولية على أرض الواقع، ونامت شعوب أهل القبلة التي تم ترويضها لعقود لتقبل الذل والهوان…ولم نر إلا قلة ممن وقفوا إسناداً لغزة، وكفى بهم حجة على كل متخاذل.
وبعد كل هذه التضحيات الكبيرة يطل علينا رأس الشر وبكل عنجهية يريد فرض الاستسلام ليس على غزة فقط بل على كل الأمة، حيث نقرأ في الأخبار ضغط العديد من حكوماتنا العربية والإسلامية للقبول بخطة الاستسلام. إن الضغط على المقاومة في غزة لقبول مقترح الذل معناه الدفع نحو مستقبل مظلم لكلّ الأمة لأنّ جبهة غزّة تُمثّل الخط المتقدم في المواجهة المباشرة مع العدو، ولأن قبول تلك الخطة معناه التفريط في كل الدماء التي سفكت ظلماً وعدواناً، ومعناه تسليم القبلة الأولى للعدو، وفتح الطريق السريع لإسرائيل الكبرى. ولأن المقاومة الفلسطينية إذا قبلت هذه الخطة فستتوقف جبهات الإسناد لأنه لا يوجد مبرر لتفعيلها، وعندها سينفرد العدو بغزة ويستبيح أرضها ويفني شعبها.
وأمام هذا التواطؤ الرسمي للدفع نحو قبول خطة السلام المزعومة، يبقى تفعيل دور الشعوب هو الأساس، فالجميع بات يعلم أن العدو وداعميه قد عاينوا العزلة الدولية وانعكاساتها السلبية عليهم، والجميع بمن فيهم العدو يعلم يقيناً أن مواصلة العدوان على غزة لن ينجح في القضاء على المقاومة، وسيزيد من تحركات الشعوب حول العالم لتقفل كل شريان يمد العدو بالسلاح والحياة، وبالتالي فطرح هذه المبادرة في هذا التوقيت بالذات يراد بها إنقاذ العدو الذي يعاني من الانهيار الوشيك… فالقاعدة تقول: إن المنتصر في الحروب لا يقدم مبادرات للسلام، فكيف لعدو مجرم من الطراز الأول أن يطرح هكذا مبادرات؟ لا تفسير لصفقة المجرم الكبير حول غزة إلا محاولة الالتفاف على إنجازات المقاومة وتحركات الشعوب وفشل العدوان وخشيته بعد أن سمعنا ومن على منبر الأمم المتحدة أصواتاً لقادة أحرار تدعو لتشكيل جيش دولي لتحرير فلسطين، فكيف لو تطوعت الشعوب الحرة ليتحول حراكها السلمي إلى فعل مقاوم ومنظم؟
لسنا في موقع اتخاذ قرار نيابة عن أهلنا في غزة حول تلك الصفقة المشؤومة، ولكن من واجبنا أن نذكر بوصايا قادة المقاومة الفلسطينية الشهداء في وجوب مواصلة المقاومة مهما بلغت الأثمان، لأن كلفة المقاومة هي بلا شك أدنى بكثير من كلفة الاستسلام، وعليه كما قال الشهيد السنوار: (فلتكن كربلاء ثانية).. وفي ظل التهويل ومحاولات الاستئصال الخشنة والناعمة، وبين ما نشهده من فلسطنة لشعوب الأرض وصهينة لحكومات عميلة، تبقى ثقتنا بالله ثابتة ونبقى منتظرين عطاء الله في قوله:﴿ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ (آل عمران: 174)