طوفان الأقصى مستمر
لقد جدَّد طوفان الأقصى في العالم، وحقق نتائج تتجاوز الإطار المحلي أو الديني أو القومي، ويكفي أنّ نشير إلى تلك الظواهر المدهشة التي تجلّت في اجتماع أحرار العالم كلّه من كل جنس ولون على قضية مشتركة، وأن نتأمل كيف أطلق طوفان الأقصى إبداعاتهم وحرّك مشاعرهم وحرّر كلماتهم، وأعطاهم معنى جديداً لحياتهم وإنسانيتهم.
وأمّا على مستوى الأمة الإسلامية، فإنّ طوفان الأقصى قام بعملية فرز وتصنيف، أسقطت مشاريع التطبيع والخيانة، وسوف تسهم بفضل الله في إسقاط النزعات الطائفية والفتنوية التي يغذّيها الجهلة والمنحرفون، على أن يبذل العلماء والمثقفون المخلصون الجهود الضرورية لمتابعة تأصيل هذه الحركة الوحدوية التي أطلقها طوفان الأقصى.
ونستحضر هنا بعض كلمات الشهيد القائد فتحي الشقاقي، الذي كانت شهادته يوم 26 تشرين الأول 1995، أي قبل 28 عاماً كاملة تقريباً من انطلاق هذه الملحمة، ولكنه يبدو وكأنه يصف طوفان الأقصى وما حققه من نتائج بهذه الكلمات: (إنَّ الوحدة على فلسطين هي وحدة الوعي بأن بقاء الكيان الصهيوني يعني إفشال كل مشاريع النهضة، وأن الوحدة حول فلسطين هي وحدة التاريخ مع القرآن، وهي إعادة صياغة للجغرافية السياسية باتجاه الأقصى الشريف، وهي وحدة الملايين المتقدمة نحو قدَرها… هي وحدة مشروع النهضة كله… وفي القدسِ جوهرِ ومركز الصراع الكوني. اليوم تتحدد ملامح المعركة الفاصلة… إن سرّاً ما يمكن تقصّيه في القرآن والتاريخ والواقع، يجعل من بيت المقدس والجهاد في أكنافه مركزاً للمشروع الاستعماري متجسداً أيضاً وموحداً في فلسطين عبر الحالة الإسرائيلية).
ولئن نُسب طوفان الأقصى إلى الشهيد القائد السنوار، من حيث إنه ساهم في التخطيط والقيادة لهذه الحركة الجديدة، وعمل بوعي – على مدى سنين – للحفاظ على قبس الثورة الفلسطينية متوقداً؛ فإنَّ هذا الطوفان ليس إلا فصلاً في الكفاح الفلسطيني وجهاد الأمة كلها بأحرارها وشرفائها، من أجل التحرير والحرية، وما كان لهذا الطوفان أن ينطلق لولا قائمة طويلة من القادة والمفكرين والمجاهدين، الذين توالوا عبر عقود، وأسهموا في ضخّ الحياة في حركة التحرر الفلسطيني، ولقد كان الشقاقي رحمه الله أحد القادة الحاضرين في هذا الطوفان، من خلال فكرهم وروحهم ورفاق دربهم وأبنائهم الذين تربّوا على العقيدة الإيمانية الصافية التي كانوا يحملونها.
وكما يضرب طوفان الأقصى بجذوره في تاريخنا من خلال الكثيرين من ذكرنا، فإنَّ الطوفان يستمر في مستقبلنا، ولا ينحصر برجل أو رجال، لأنَّ هؤلاء القادة أنفسهم شخصياتٌ ذات امتدادٍ غير محدود، وهم حمَلة منظومة متكاملة من القيم والأفكار والمبادئ والأهداف، وبالتالي فإنَّ رحيلهم لا يوقف الحركة ولا ينقض العمل، بل تزداد الثورة تألقاً باستشهادهم، ويتحولون إلى رموز سامية ومُثُلٍ عليا، كما هو حال السنوار والسيد نصر الله وإخوانهم القادة الشهداء رضوان الله عليهم، ويحمل الراية مِن بعدهم رجالٌ آخرون يملكون الرؤية نفسها ويؤمنون بالجهاد حتى تحقيق الأهداف ذاتها.
هؤلاء الرجال والمجاهدون منتشرون في كل الساحات، ولهم صفات مشتركة، تحاكيها كلمات الدكتور مصطفى السباعي: (إنّ لله عباداً قطعوا علائقَ الشهوات، وأسرجوا مراكبَ الجِدّ بصدق العزَمات، وامتطوا جياد الأمل، واتجهوا إلى الله علا وجَلَّ، وتزودوا إليه بصالح العمل، مع إخلاص النية، وتوسلوا إليه بصفاء القلب وصدق الطوية، ولم يعبؤوا بالعقبات، ولم يلتفتوا إلى المغريات، استعانوا بالله على مشقة الطريق فذلَّل لهم صعابه، وعلى بُعد المدى فلملَم لهم رحابه).
بفضل هؤلاء الأطهار، ومعهم أهلنا في غزة وسائر فلسطين، الصابرون على كل شيء، عندما أصبح الموت أهون من كل شيء… بفضلهم سيستمر طوفان الأقصى حتى تحرير فلسطين، وإنَّ الله مع الصابرين.
مسؤول قسم التخطيط والدراسات في الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين
الشيخ محمد أديب ياسرجي