مقالات

المسجد الأقصى في الإسلام

المسجد الأقصى معهد الأنبياء (عليهم السلام)، ومتعهد الأولياء (رضى الله عنهم) ، وثاني البيت الحرام في البناء، وأولى القبلتين حال الابتداء ([1])، له في الإسلام شرف عظيم، ومقام كريم، فهو نهاية رحلة الإسراء، وبداية رحلة المعراج (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فقد دنا رسول الله من ربه (عز وجل) مقامًا لم يبلغه الخليل ولا الكليم ، ولا وصل إليه ملك مقرب ، ولا نبي مكرم، وقد أمّ في ذلك المسجد النبيين (عليهم السلام)، في ليلة مباركة ، صعد فيها منه إلى أعلي عليين، وقد توافرت النصوص وتعاضدت الأخبار والآثار على فضله فمن ذلك:

أ ) من القرآن الكريم: قول الله (سَبحانه وتعالى) 🙁سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) ([2]).

فلو لم يكن للمسجد الاقصي من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية، وبجميع البركات وافية ، لأنه إذا بورك حوله، فالبركة فيه مضاعفة.

وقوله جل وعلا لبني إسرائيل (ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ). ([3]) 

فلم يخص الله تعالى مسجدًا سواه، بأن وعدهم أن يغفر خطاياهم بسجدة فيه دون غيره إلا بفضل خصه به.

وقوله تبارك اسمه إخبارًا عن إبراهيم ولوط عليهما السلام (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)  ([4]) وقوله تقدست صفاته (وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) ([5]) وقوله تعالى (ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ)  ([6]) 

ب ) من السنة النبوية: أخبار صحيحة منها قوله لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا. ([7]) 

وعن أبي ذر (رضي الله) عنه قال : قلت : يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا قال المسجد الحرام ، قلت : ثم ؟ قال المسجد الأقصى..، ([8]).

فضائل بيت المقدس وفضل الصلاة فيه جمع محمد الكينجي، الفضائل لبيت المقدس لأبي بكر الواسطي ، ولأبي إسحاق المكناسي.

بعض قضايا ذات علاقة:

  1. بيت المقدس اسم لمكان معروف في أرض فلسطين، وأصل التقديس التطهير، وهذا الاسم يطلق الآن على المدينة التي فيها المسجد الاقصي ولا يطلق على مكان العبادة الخصوصي عند علماء اللغة، أما عند أهل الفقه والتاريخ فالاسم دائر بين المعنيين، وتسمي المدينة الآن (القدس) ووجدت هذه التسمية أيضاً في كلام العرب، قال الشاعر:

لا نوم تهبطي أرض القدس              وتشربي من خير ماء بقدس

2- حكم زيارة المسجد الاقصى: أجمع الفقهاء على فضل المسجد الأقصى وعلى استحباب زيارته والصلاة فيه. ([9]) 

3- تعارف المسلمون مؤخرًا على الاحتفال بمناسبتين: أولهما في أواخر شهر رجب مناسبة معجزة الإسراء والمعراج، وهما ترتبطان بالمسجد الاقصي بصريح النص القرآني، وثانيتهما في منتصف شهر شعبان، مناسبة تحويل القبلة من المسجد الاقصي إلى المسجد الحرام
(سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ([10]) 

ويا كل مرابط بالنفس والنفيس وبالقلم الطاهر واللسان الصادق، ويا كل غيور على أولي القبلتين وثاني الحرمين: (اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ([11]) 

وليكن المسجد الأقصى في نفوسكم ونفوس الأجيال معلمًا من معالم الإسلام لا يزول ولا يحول، والله غالب على أمره.
أ. د. أحمد محمود كريمة
أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة


[1]–  مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري .

[2]–  الآية 1 من سورة الإسراء .

[3]– الآية 58 من سورة البقرة . 

[4]–  الآية 71 من سورة الأنبياء .

[5]–  الآية 50 من سورة المؤمنون .

[6]–  الآية 21 من سورة المائدة

[7]–  فتح الباري 3/163 ، صحيح مسلم 2 / 976 .

[8]–  صحيح  مسلم 1/370 .

[9]–  المجموع 3 / 22 .

[10]–  الآية 142 من سورة البقرة .

[11]–  الآية الأخيرة من سورة آل عمران .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى