علاقة الأسباب بالنتائج؛ النصر نموذجًا
الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري
إن الوضع المزري الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية في التخلي عن (غزة الصمود والإباء) ما هو إلا نتاج طبيعي لابتعادها [أعني الأمة] عن الأخذ بالأسباب الحقيقية (أعني جناحي النصر المبين)، فالله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾
هذا النص الكريم يشتمل على حقيقة مقررة، وسنة كونية في أهل الإيمان، ودعوة إلى التأمل والاستبصار، من أولي القلوب والألباب والأبصار، ليمتنع الناس عن الاغترار بالقوة، والاعتزاز بغير الله تعالى.
فالحقيقة هي أن الله ينصر من يشاء، فهو الذي سينصر ويخذل، وأن من يعتمد على قوته وحده، فينهزمون حيث يرتقبون النصر؛ فالله سبحانه ينصر من ينصره، ويخذل من يكفره، كمال قال تعالى: ﴿إِن تَنصُروا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، وكما قال تعالى: ﴿ولَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
فالله يقوي بنصره وبعونه من يشاء من عباده، والنصر والظفر، إنما يحصلان بتأييد الله ونصره، لا بكثرة العدد، ولا بقوة الشوكة، ولا بكثرة السلاح.
وفي الواقع: قد تقف بعض العقبات في طريق النصر، ولكن العاقبة دائمًا للمتقين.
فما علاقة الأسباب المادية بالنصر؟
إن الواجب يحتم علينا أن نجتهد في تحصيل أسباب القوة، ليتنزل نصر الله، ويأتي مدده من خلالها، دون تعلق بتلك الأسباب.
إن الواجب يعتبر أن النصر يستلزم وجود الأسباب بقدر كبير، فالانتصار على الأعداء يتطلب جملة من الأسباب المادية الذاتية، والأسباب المعنوية الخارجية، ويحيل العقل: الاكتفاء بالماديات وإهمال المعنويات، أو التمسك بالأسباب المعنوية والتقصير بالماديات.
تأمل قوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [آل عمران: 13].
ومن فقه تعامل المؤمنين مع الأسباب بجناحيها:
أننا قد نُعذر إذا ما فقدنا بعض الأسباب المادية لأمور خارجة عن إرادتنا، ولكننا لا نُعذر في عدم تعلقنا بالله عز وجل؛ وتغيير ما بأنفسنا من الضعف والاستكانة؛ لأننا جميعا نقدر على ذلك.
ولما كان قانون السببية من أهم القوانين الحاكمة للإنسان في الأرض، فإن السبب الأساسي الذي يستجلب النصر والتغيير هو تغيير ما بالنفس من حب الدنيا وكراهية الموت، وطلب نصرة الله على طغيان النفوس، وصدق التوجه إلى المولى النصير، كما قال تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7]، وقال: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ [آل عمران: 120]، وقال: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: 36].
وعندما يُهمَل التعلق بمسبب الأسباب (رب الأرباب)، ويتم التمسك بالأسباب المادية وحدها، ويُرْعَى السمعُ للمثبطين؛ فإنه الخذلان وعدم التوفيق، كما حدث يوم حنين: ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: 25].
إذن فنقطة البداية التي ينبغي أن نبدأها للخروج من النفق المظلم الذي نسير فيه تبدأ مني ومنك؛ فماذا نحن فاعلون؟؟
هل سنستمر في البكاء والأسف على أحوال أمتنا دون فعل شيء؟؟
هل سنظل في دائرة الإحباط التي ندور فيها؟
أم سنبدأ من الآن في تغيير ما بأنفسنا؟
قال تعالى: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾ [النساء: 84].
ونحن في يوم القدس في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، وهو شهر خير، وأنت ترى في شهر رمضان مثل غزوة بدر الكبرى، التقى فيها عدد قليل من المسلمين عُزَّل من السلاح؛ مع عدد كبير مدجج بأكثر أنواع أسلحة عصرهم فتكاً، تلكم المعركة سماها الله عز وجل الفرقان؛ لأنها فرقت بين الحق والباطل.
وفي ليلة العاشر أو العشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة تم فتح مكة المكرمة، وغيرّ ذلكم الفتح مجرى تاريخ الحياة كلها، وصار الناس بعد ذلك يدخلون في دين الله أفواجاً.
و(غزة العزة) اليوم تظهر للعالم الفرق بين الحق (الفلسطيني) والباطل (الصهيوني والمتصهين).
و(غزة الصمود) اليوم تفتح قلوب الناس أجمعين على إسلام الإيمان بالله رب العالمين؛ وها هم يدخلون في دين أفواجاً.