غزة تُعيد ضبط البوصلة الإنسانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدي رسول الله، محمد بن عبد الله، ومن والاه واتبع هداه.
كنت ولا زلت من النفر الذين أدركوا أن معركة طوفان الأقصى هي معركة الأمة الإسلامية بأجمعها، بل معركة الإنسانية الباحثة عن الخلاص في زمن ضياع تلك المدينة الآمنة المركوزة في ذهن طالبي الأمن والاستقرار والحرية والكرامة.
قال عز من قائل: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ آل عمران: الآية 139-140.
هل سألنا أنفسنا في هذه الأيام الراهنة، والتي تلت اليوم السابع من تشرين 2024 على الوجه الأخص، ما هو تأثير هذه الحرب على العالم الغربي، وخاصة عند رصدنا لهذا الانحياز الأعمى والغير منطقي للكيان الصهيوني؟ ويزداد الإلحاح على هذا السؤال عند مُراقبتنا ورصدنا لحجم القوانين والتشريعات التي صدرت من الحكومات الغربية داخل بلادها والرامية إلى تجريم أي نوع من أنواع التضامن والتعاطف أو الدعم بأي وسيلة لصالح الفلسطينيين ومقاومتهم للاحتلال الصهيوني.
ثم نرصُد بعد ذلك حجم التغيير الذي طرأ على المجتمعات الغربية عموماً، وعلى المجتمع الأمريكي والفرنسي على وجه الخصوص، والذي شمل سياسيين وإعلاميين وأساتذة جامعات ومثقفين وطلبة جامعات، وغيرهم من الأوساط الشعبية والنقابية، في تلك البلاد.
لقد شاهدنا تلك النظرة الجديدة والإيجابية للإسلام والمسلمين في تلك البلاد والعواصم، رغم الكم الهائل من الإعلام والمال الذي دُفع خلال سنوات عديدة لترسيخ فكرة همجية المسلمين، وإسلام القتل “الإسلاموفوبيا” والتخويف من الإسلام والمسلمين، وكذلك دعم الرواية الصهيونية في مقابل الرواية الفلسطينية.
ماذا حصل بعد طوفان الأقصى حتي تغيّرت النظرة والرواية ؟
ما هو الحدث الذي مسح كل تلك الثوابت والأفكار واستبدلها بثوابت جديدة رسخت في الوجدان والعقل والفكر الإنساني لدى تلك الشعوب الغربية ؟
إنها غزة المقاومة، غزة المؤمنة الصابرة، غزة الصمود والثبات على الحق مهما كان الثمن غالياً، إنها صورة المسلم الصابر الراضي بقضاء الله وقدره، والمستعين بالله على نوائب الدهر، المسلم المُوقن بأن الذين سبقوه في الشهادة قد حصلوا على الحياة الحقيقية، بجوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فهم الأهل والرفقة المستمرة مدى الدهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
إنها غزة التي علّمت العالم كله كيف هي الرحمة والشفقة وحُسن المعاملة مع الأسرى والنساء والأطفال، بل حتى مع الحيوانات، أجبرتهم غزة أن يبحثوا عن هذا الشيء الذي جعل هؤلاء المجاهدين يحملون هذه الروح الإنسانية الرفيعة، والمفقودة عند خصومهم.
هنا ظهرت المعادلة الجديدة التي رسمت طريق التحرير الإنساني لكل العالم بعد ضياع معالمه، فدفعت كل الأحرار والأشراف إلى أن يبحثوا، ويقرأ كلٌ منهم عن الإسلام من مصادره الموثوقة، ورجالة الصادقين، وليس من المصادر المزورة والمحرفة والمدسوسة.
هذه القراءة الجديدة كان لها ذاك الأثر الكبير الذي شاهدناه على الشاشات العالمية، التي استحضرت الإنسانية من جديد، والحرية ورفع الظلم عن المستضعفين، ونصرة الحق والحقيقة بعد طول خذلان طويل.
إنه الإسلام الذي جاء ليحرر الإنسان من كل أنواع الظلمات، ويدخلها في طريق النور، حباً لا كرهاً، موقفاً إنسانياً وليس قرارا سياسياً أو دولياً.
ولعل عدد الذين دخلوا في الإسلام من الغربيين، والأسباب التي أعلنوا عنها بأنها سبب إسلامهم، لهي أكبر دليل على أن اليقظة التي أوجدها المجاهدون هي البوصلة الحقيقية التي سترسم واقعاً عالمياً جديداً، تسعى إليه البشرية الباحثة عن الاستقرار والأمان والحرية والكرامة، في عالم كثُرت فيه أمواج الظلم والاستبداد واستعباد البشر ونهب ثرواتهم.
إنها وباختصار غزة العزة.
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو