سادتي العلماء
افتتاحية هذا العدد موجهة حصريًا إلى علماء الأمة ودورهم في مجريات الأحداث في فلسطين خصوصًا، وفي العالم كله على وجه العموم، كون الإسلام جاء لينقذ الإنسان، كل الإنسان، بغض النظر عن عرقه ولونه وجغرافية وجوده. وهذا معنى من معاني عالمية الإسلام التي سطرها الخالق العظيم بقوله: ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا﴾، وأرسى نبي الإنسانية سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم عملًا واقعيًا في حركته السلوكية والفكرية، فهو القائل: “أُعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي… ثم ذكر: وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس عامة”.
إن حركة الحضارة بكل تجلياتها، سواء أكانت رافعة للمجتمعات أو نازلة بها، لا تحركها الجماهير العامة، بل تقودها النخب الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والعلمية. ويتحقق برنامج هذه النخب في الواقع الحياتي لتلك المجتمعات، ويتحول إلى تصور يتجلى في عملية نشاطها اليومي بكل أبعاده.
من هنا يمكننا القول: هل تقوم نخبنا هذه، وخاصة في هذه الظروف الراهنة والأحداث المتسارعة، بدورها الحقيقي والمطلوب في الزمان والمكان، أم إنها تعيش في واقع آخر كأنه خارج حيز الزمان والمكان؟ إن الناظر والمدقق الشفوق الحاذق يمكنه أن يقول إن النسبة الكبرى من تلك النخب، رغم الصدق الذي تحمله، فإن تصورها لمشاكل عالمنا الإسلامي تصور جزئي، وعليه فإنه من الطبيعي أن يكون الحل جزئيًا وغير مجدٍ، إن لم نقل عقيمًا، كونه يُسلط الضوء على جانب ويُغفل الجانب الآخر، سواء عن قصد أو غير قصد.
كل يوم نسمع نداءً من هنا وآخر من هناك، بأن من الواجب السعي لحل الكثير من مشكلاتنا، وخاصة وعلى رأس سلم الأولويات قضية الشعب الفلسطيني المظلوم، وما يمارسه الكيان الصهيوني عليه من أعظم وأكبر المجازر اليومية التي لم تعد خافية على أحد. يجتمع الجميع، ويطرحون الأفكار، ويكتبون البيان الختامي، ويتلونه على شاشات البث المباشر، وينتهي الأمر عنده! ثم يعود الكل لينتظر النداء لمؤتمر آخر فيسارع الكَم الأعظم منهم ليحجز مكانًا وكرسيًا ومنصة ودورًا في إلقاء الرؤية، ثم ننصرف من جديد، وهكذا دواليك.
أين يكمن الخلل؟ وأين يكمن الحل؟
المطلوب، إخوتي وسادتي بكل اختصاصاتكم السياسية والفكرية والاجتماعية والدينية، أن نقرأ المشهد قراءة كلية وعميقة وجريئة، ينتج عنها برنامج كامل متكاملة عناصره، ليكون برنامج عمل داخل كل قطر أولًا، وعلاقات مع العالم كله ثانيًا. فتصبح رؤية الإصلاح الإنساني مهمة إنسانية، وليس مهمة مناطقية أو عرقية.
تحمل هذه النخب المسؤولية ليس كفرصة عمل، ولا كحمل نخبة تجعل من ثقافتها برجًا تعيش فيه ولا تغادره، ولا كحمل مناكفة للآخر لمجرد التباين، أو لتصبح هذه النخبة قلمًا أو منبرًا أو مثقفًا أو بندقية مأجورة لصالح جهة ما لأداء وظيفة ما. عندما يكون دور هذه النخب دور بناء الإنسان والحرية والكرامة، ودور الوقوف في وجه الظلم والاستكبار، ودور بناء الأوطان على المساواة والعدالة الاجتماعية، سيكون لذلك النداء جواب نوعي من كل إنسان تربى على تلك القيم العليا التي خلقنا الرب عليها وطلب منا رعايتها.
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين