فلسطين أمانة.. والتطبيع ساقط
من الواضح أنّ التطبيع هو موضة هذا الوقت لدى بعضهم، أو نغمته المفضلة التي يدعي أصحابها البراءة والتسامح وأناقة الفكر والسياسة.
لعبة مكشوفة، ويريدون من الناس أن تصدقها وتنخرط فيها بكل سرور.
الناس الذي يُفرض عليهم الجوع القانوني، أي الحاجة والفقر باسم العقوبات الدولية، التي يمسكها بعض بني قومنا من ذنبها، ويحولونها إلى سوط يجلدون به أبناء أمتهم، بذريعة أنهم ينفذون القانون.
الناس الذي يُسلّط عليهم الحذَر من المستقبل، والخشية على الأولاد، والخوف من هجرتهم إلى غير رجعة.
الناس الذين لا مسؤولية ولا دور لهم في إدارة شؤونهم العامة، وتحديد خيارات بلدانهم.
وفوق هذا كلّه عليهم أن يتقبّلوا هذا الصهيوني الذي احتلّ ودمّر وقتل وسجن وسرق الحقوق، وأن يهللوا أيضًا للأنبياء الكذَبة الذين يبشرونهم بما أسموه زورًا الإبراهيمة الجديدة.
إنها كل الأبواب؛ أبواب الرياضة والتربية والدِّين والثقافة والسياحة والاقتصاد والسياسة والتنسيق المخابراتي والمناورات العسكرية.. وما شاء الإسرائيلي من أبواب؛ وله أن يدخل علينا من كلها جميعًا، وأن يُخرجنا من أنفسنا ومن آمالنا وشخصيتنا، لنذوب فيه تطبيعًا.
المطلوب إذن أن تحاور الصهيوني، بينما تقاتل أخاك.
وأن تختلق بينك وبينه كل المشتركات المستحيلة، بينما تقطع كل مشترك واقعي مع أبناء أمتك، بذريعة اختلاف المذهب أو الدين أو الرأي أو ما سوى ذلك من اختلافات كانت عنوان غنى وثراء.
وأن تتسلح بكل صنوف آلات الدمار تحسّبًا من جارك الذي عشت معه لدهور وأزمان، وأنتجتم معاً حضارة كانت مشرقة ذات أيام.
وأن تشتري هذه الأسلحة من الإسرائيلي نفسه، الذي لن يضنّ عليك بالمعلومات التي تزيدك توجّساً وعدواة لأخيك.
إنها “الأسرلة” ! أسرلة الفكر والفنّ والدّين والسياسة وأسرلة الذات؛ فهيا إليها ولا تتوقفوا !
هذه هي حقيقة التطبيع ومحتوى الإبراهيمية الجديدة ولا شيء آخر هناك.
لكن القرار ليس هناك، ولا هو بيد المفتونين بالتطبيع، الذين يحلمون بالمجد من ورائه.
“أسرلة” اليوم مصيرها كتلك “الأسرلة” التي حاول الصهيوني أن يفرضها على بعض أهلنا في فلسطين، الذين يسميهم الخطاب الصهيوني “عرب 48″، ومثلهم أهالي شرق القدس.
لقد أمضى الاحتلال بكل مؤسساته، من الأمنية إلى التربوية، عقودًا وهو يحاول إخراج هؤلاء الفلسطينيين من هويتهم وتاريخهم، وانتزاع الخنوع والرضوخ منهم.
كانت بطاقتهم الشخصية بيده، وجواز السفر والتعليم والمياه وتصريح العمل والمدارس وترميم البيت وبناء المساكن؛ بل وفرض التجنيد العسكري في جيشه الباغي على بعضهم.
عمل جاهداً لكي يسلخهم عن كل شيء يذكرهم بأنهم فلسطينيون، وخطط طويلًا منتظرًا أن يهرم الكبير ويموت، ويشبّ الصغير على “إسرائيل” وحدها.
ثمّ ماذا بعد ؟!
كل الدلائل تشير إلى أنّ الاحتلال أنفق ماله وجهد وفكره، واستعمل ترغيبه وقهره؛ لكن كل ذلك سينقلب حسرة على المحتلين ثمّ يُغلبون !
كل الوقائع تؤكد أن هؤلاء الفلسطينيين سيكونون نبعًا يمدّ باقي إخوانهم في سائر فلسطين بوقود الانتفاضة القادمة.
وأن ما جرى قبل معركة سيف القدس لم يكن إلا جولة تجريبية؛ تُبشّر بالتحام هذا الشعب ذات يوم قريب من أجل حريته وكرامته، وبخيبة أمل الغاصب، وسقوط أوهام الأسرلة.
وعلى نفس المنوال ستسقط الأسرلة التي هي حقيقة التطبيع، ولن يمكنهم أن يزرعوا في عقول الناس وأرواحهم الاطمئنان إلى عدو لم يلاقوا منه خيراً أبداً عبر التاريخ.
قد ينشغل الناس إلى حين بما فُرض عليهم من أزمات، لكنهم لن يكونوا يومًا كما يريد المطبعون والصهاينة وغيرهم، ولن يزول الحقّ الثابت مهما دجّل المدجّلون !
بقلم محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين