مقالات

هل نحن أمَّة ؟.. سؤال تطرحه فلسطين

يمكن تلخيص المشهد الذي تعيشه بلادنا بأكثر من طريقة، ولكن يبدو أنَّها جميعاً تبعث على مشاعر مختلطة من الأسى والسخرية، نظراً لما وصلت إليه أحوال هذه (الأمة)… إن كنّا لا نزال أمّة، وهو شكّ مشروع، بل واجب، تدعونا إليه التناقضات العجيبة التي نعيشها في كل المستويات.

وقد سبق أن قام عدد من المفكرين بتقديم هذا السؤال: (هل نحن أمّة)، ومنهم الأستاذ الشاذلي القليبي رحمه الله، في مقال له بعنوان: (هل نحن أمة ؟ أسئلة لابدّ من طرحها على الضمير العربي)، ومنه نستعير عنوان هذه الافتتاحية.

ومما جاء في ذاك المقال: (إنَّ كيفية تعامل شعوبنا، لا فقط دولنا، مع مفهوم الأمة – جعجعةٌ خطابية دائمة، ولا اكتراث بأي عمل له مردود في واقعنا اليومي – يدعو إلى أن نتساءل: إن كنا نفخر حقاً بتلك الروابط التي نُكثر من التغنّي بها ، فلماذا لا تتصرّف شعوبنا ودولنا بمقتضاها ؟).

ونعود إلى تلخيص المشهد، وهذه المرةّ بلغة الأرقام، لننقل ما نشرته مصادر رسمية في الموضوع.

فبينما يذكر تقرير أممي أن كلفة إعادة إعمار غزة ستتجاوز 53 مليار دولار على مدى عشر سنوات، وهو مبلغ لا مورد لتأمينه حالياً؛ فإنّ آخر الأنباء تقول: إن الولايات المتحدة قد وقعت مع دولة عربية أساسية أكبر اتفاقية مبيعات دفاعية في التاريخ بنحو 142 مليار دولار، تضاف إلى أكثر من 129 مليار دولار تمثل قيمة الاستثمارات الحالية والنشطة لهذه الدولة ببرنامج المبيعات العسكرية الأمريكية.

وننتقل إلى أرقام أخرى تقول، وفقاً لتقرير دولي صادر عن النظام المتكامل لتصنيف مراحل الأمن الغذائي (IPC)، أنه في الفترة من 1 أبريل إلى 10 مايو الحالي، كان 244 ألف فلسطيني في غزة يعانون من أشد حالات الأمن الغذائي خطورة، بما يصل إلى المستوى الخامس الأشد خطورة على الإطلاق، بمعنى أنهم يواجهون كارثة المجاعة، بينما جرى تصنيف 925 ألفاً آخرين على أنهم في المستوى الرابع، أو يواجهون “حالة طوارئ”، كل هذا بينما توجد الإمدادات الغذائية بوفرة على حدود القطاع القريبة، وفقاً لكلام الأمم المتحدة نفسها !

ويتحدث هذا العدد من نشرتنا عن أرقام أخرى، إذ يذكر أن الاحتلال يقتل امرأة فلسطينية في غزة كل ساعة، وأنّ 1500 مواطن قد فقدوا بصرهم جراء الحرب، بينما وصل عدد الشهداء الذين تمّ إحصاء أسمائهم إلى 52,928 شهيداً و119,846 إصابة منذ أكتوبر 2023، في حين يقبع عشرات الآلاف تحت الركام، دون إمكانية لانتشال جثامينهم حالياً، وهؤلاء جميعاً قتلوا بأسلحة مصدرها علني ومعروف، ولا تزال تتدفق يومياً على الكيان الغاصب، من الشركات نفسها التي يتمّ استثمار مليارات الدولارات من مقدرات (أمتنا) فيها، وبأوامر من الحكومة الراعية سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً وإعلامياً لهذا الكيان الغاصب، ولا تزال تحشد القوى لضمّ المزيد من الموالين ضمن إطار ما سمي الاتفاقات الإبراهيمية.

كل هذا ويبقى الرهان الرسمي العربي والإسلامي لحلّ قضية فلسطين على موقف هذه الإدارة نفسها، وعلى خلافاتها المزعومة مع حكومة الكيان الغاصب، من قبيل قصة الصفقة التي أدّت إلى إطلاق المقاومة للأسير الصهيوني الأمريكي عيدان ألكسندر، وهي الخلافات التي لا تؤثر أبداً في التعاون العسكري والاستخباري بين الطرفين، فيما يبقى الدعم الأميركي لإجرام الكيان الغاصب ووجوده راسخاً لا يتزعزع.

في النهاية نعيد السؤال: (هل نحن أمّة)، وهو سؤال تفرضه أحوالنا كلها، وفي مقدمتها الإبادة المستمرة في قطاع غزة منذ أكثر من سنة ونصف، وهي مرشحة للازدياد على كل المستويات، وفق تهديدات قادة الكيان.

أمانة سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى