من أنهار.. إلى أمّهات العالم
ليست أنهار الديك الأمّ الفلسطينية الأولى التي ستضع مولودها في السجن، وليس جنينها بأول طفل أو طفلةٍ فلسطينية تُبصر النور في سجون الظلم والظلمات.
“أنهار” وجهٌ مضيء جديد من الوجوه المشرقة لأمهات فلسطين، وحلقة جديدة من سلسلة نساء شجاعات وصبورات، اِستطعن أن يُثبتن أنفسهن أمام التحديات، وتحملن بمسؤولية وشرف واقتدار مهمات عديدة وصعبة، ابتداء من مسؤولية تكوين أسرة وإنجاب وتربية الأولاد، وصولًا إلى مواجهة الاحتلال والإرهاب الصهيوني، والدفاع عن الأرض والمطالبة بالحرية والتحرير.
ورغم كل ذلك “فشلت” أنهار في أن تجد لها مكانًا على لوائح المنظمات النسوية التي تدّعي الدفاع عن النساء والعمل من أجل تمكين المرأة !
كما “فشلت” أنهار في أن تنتزع اعتراضًا أو غضبًا أو بيانًا من جمعيات حقوق الإنسان !
وكذلك “فشلت” أنهار في أن تثير قلق المسؤولين الكبار، من زعماء الدول وقادة العالم إلى الأمين العامّ للمنظمة الدولية !
فشلت أنهار فشلًا لا يمكن أن يُقال عنه – في ميزان الحقيقة والإنسانية – إلا أنه قمة النجاح وأقصى درجات التفوق، وأنها حجزت بذلك لنفسها مقعدًا في قطار الشرف السامي، واستحقت الدرجة الأولى في مراتب “الأمومة المقدّسة”.
فهنيئًا لأنهار.. وبورك مولودها ذكرًا كان أم أنثى، وقُدّست الأرض التي تعطي مثل هذه الأم العظيمة.
هنيئًا لأنهار أنَّ لها أسوة حسنةً في سيدة نساء العالمين مريم الصدّيقة الطاهرة، التي لما حملت بابنها المبارك انتبذت من قومها مكانًا قصيًّا، خوفًا على نفسها وعلى وليدها الكريم.
واليوم تُنْبَذُ أنهار ورفيقاتها النساء – مثل فدوى حمادة وإسراء الجعابيص – في غيابة السجون من قِبل عدو محتل غاشم، لأن هذا المحتل يخاف من هذه المرأة وأمثالها أن يفضحن إرهابه وعنصريته، وأن يكشفن بطلان دولته المزيفة.
هنيئًا لأنهار أنها لا تجد صديقةً حانيةً تساندها ساعة المخاض، كما كانت مريم في تلك الساعة وحيدةً ولا أنيس ولا معين لها.
هنيئًا لأنهار أنها مثل مريم؛ لا تجدُ يدًا محبة تعدّ لها لقمةً صغيرة تستقوي بها على رضاع مولودها الصغير.
هنيئًا لأنهار ولكل أمهات فلسطين، وتعسًا لكل من أعمى الوهم والباطل عيونه، حتى وقع في حمْأة التطبيع، واستبدل الذي هو باطل بالحق الذي لا مراء فيه، والذلّ بشرف الحياة والذكرى بعد الممات.
وإنها لمناسبةٌ يتوجّه فيها الإنسان إلى نفسه أولاً وقبل أي إنسان آخر، ثم إلى من يحبّهم، ثمّ إلى كل أبناء هذه الأمة من نسائها ورجالها:
أين نحن من القيام بحقّ فلسطين علينا ؟
أين نحن من أضعف الإيمان في هذا المقام، وهو أن نُنكر الاحتلال بقلوبنا، وأن نعلّم أطفالنا أنّ أطفالًا مثلهم يولدون في السجون، لأنّ أمهاتهم رفضن الظلم والاحتلال.
وأن نعلّم أبناءنا الذين يروحون ويجيئون بأمان، أن فتيانًا مثلهم قتلوا برصاص الاحتلال الغاشم بينما كان أحدهم يحمل “ربطة الخبز” لأهله، كما حدث مع محمد العلامي في مدينة الخليل، أو كما حدث مع عمر أبو النيل منذ يومين، والذي أصيب يوم السبت الماضي برصاص الاحتلال خلال الاحتجاجات على حدود قطاع غزة.
من أنهار الديك إلى كل أمهات العالم، ومن جنينها إلى كل أطفال الدنيا:
هنا فلسطين. هنا الحق والأرض والعدل.
هنا الاحتلال الذي يجثم بطغيانه فوق كل ذلك، ويحاول أن يمنع الأنفاس عن شعلة الحرية.
هنا الأمهات والأطفال والرجال والشباب الذي لم ولن يتركوا يومًا حُلم التحرير، وسوف تكون لهم العاقبة بإذن الله.
محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين