مقالات

مشهدية الزحف المقدس باتجاه الشمال والجنوب

بقلم الشيخ محمد الناوي

يقول تعالى: ﴿الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدِّمَت صوامع وبيعٌ وصلواتٌ ومساجدُ يُذكر فيها اسم الله كثيرًا، ولينصرنَّ الله من ينصره، إن الله لقويٌّ عزيز﴾ (الحج: 40).

لقد تعوّدنا طيلة العقود الماضية، ومنذ النكبة، أن نرى حركة شعبنا المُهجَّر من فلسطين تسير باتجاه واحد، وهو الخروج القسري من وطنه دون رجوع إليه، حتى لا نكاد نجد بلدًا في العالم يخلو من فلسطيني، ومخيمات الشتات خير شاهد على ذلك.

ورغم صدور العديد من القرارات الدولية الملزمة بحق العودة وتقرير المصير، فإن العدو المحتل ومحور الشر مُصمِّمون على قتل وتهجير من تبقى، أمام مرأى العالم.

وما حدث في الأيام القليلة الماضية من زحف شعبي مهيب باتجاه شمال غزة وجنوب لبنان، في مشهدية أقامت قيامة العدو، يبعث برسالة قوية مفادها أن لطوفان الأقصى، الذي انطلق يوم السابع من أكتوبر 2023، ارتدادات، وأقوى هذه الارتدادات هو تثبيت الشعوب لحق العودة، بل وتحرير الأرض كاملة مهما بلغت التضحيات.

هذا الزحف الكبير، المشابه لخروج الحجيج باتجاه عرفات لإقامة الركن الأكبر لهذه الفريضة، يحمل إشارات مهمة يمكن قراءتها على النحو التالي:

إذا كان الحج عرفة، فإن عزة الأمة في غزة، وتحرير الأقصى وكل فلسطين. وإذا كانت تسمية عرفة مشتقة من معرفة الخلق بخالقهم في التاسع من ذي الحجة، فإن السابع من أكتوبر كان يومًا لتثبيت البوصلة تجاه قضيتنا المركزية، بعد أن أزهر ربيع التطبيع الإبراهيمي. كما أن مشهدية الزحف المقدس خلال الأيام الماضية باتجاه شمال غزة وجنوب لبنان تُثبِت محورية دور الشعوب في تقرير مصيرها.

أساليب المواجهة مع العدو وتحرير الأرض متنوعة ومتناغمة فيما بينها؛ فكما يكون للكلمة الصادقة أثر قوي، كذلك السلاح في ميدان المعركة، وزحف الشعوب باتجاه مدنها وأوطانها.

إن إصرار أهلنا في غزة على الصمود في أرضهم، رغم العدوان الوحشي الذي لا يتصوره العقل، ورفضهم المطلق للتهجير طيلة الحرب، بدأ يؤتي ثماره، وهذا ما رأيناه في تلك الاندفاعة القوية والفورية للعودة إلى ديارهم. إنها رسالة واضحة مفادها: لن نترك فراغًا ليملأه العدو، وإن وقف العدوان يعني العودة لبناء ما هدمته الحرب، واستمرار نبض الحياة، والاستعداد للمواجهة المقبلة دون أي تردد.

الشعوب الحرة هي التي أنجبت حركات المقاومة، وتوقف طوفان المواجهة المسلحة كان بداية الانطلاق والتأسيس لطوفان الشعوب، لترسيخ انتصار دماء الشهداء، ولإرسال رسالة واضحة للعدو مفادها أن الشعوب الحرة هي سند المقاومين، بخلاف الحال في كيان العدو، الذي رغم استخدامه للقوة المادية المفرطة، فإن مستوطنيه يرفضون العودة إلى مستوطناتهم. والرسالة هنا للعدو واضحة: أهل الأرض ليسوا كالوافدين، وهذه الأرض لا تستوعب إلا أهلها.

أعظم رسالة للزحف الشعبي المقدس في غزة ولبنان يجب أن تقرأها شعوب العالم العربي والإسلامي، التي قصرت كثيرًا في حق أهل غزة، وهي أن من نهض من تحت الركام، وتحدى غطرسة العدو طيلة خمسة عشر شهرًا من القصف الذي لم يتوقف، قد ألقى عليهم الحجة البالغة، ووجب عليهم تدارك هذا الخلل.

لقد أثبت شعبنا في غزة ولبنان أن المقاومة فكرة ومبدأ ثابت وخيار وحيد للتحرير. وكما أنجبت هذه الشعوب حركات مقاومة وقدمت مئات الشهداء طيلة مسيرتها، فإنها قادرة على إنجاب أجيال جديدة من المقاومين، طالما أنها تحمل نفس الفكرة.

وإذا كان الزحف الشعبي في هذه الأيام يتجه شمالًا وجنوبًا، فإن الرسالة لكل الشعوب الحرة هي العمل على أن يكون الحراك الشعبي في المستقبل من الجهات الأربع، والبوصلة: فلسطين كلها. فقد كان صانعو الطوفان يأملون، منذ اليوم الثاني لانطلاقه، أن يروا حركة الشعوب باتجاه فلسطين. وهذه ورقة فاعلة يجب العمل عليها وإعدادها للجولات القادمة من المواجهة مع العدو. والمجد للمقاومين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى