مقالات

“فتحي الشقاقي” رائد وحدة أمَّة

هل يكفي يوم السادس والعشرين من تشرين الأول لكي تحيي فيه هذه الأمة ذكرى مفكّر وفارسٍ وقائد وشهيد كالدكتور فتحي الشقاقي ؟!

رجل عاش وارتحل كالأنبياء؛ عُمر قصير لم يتجاوز الأربعين إلا قليلًا، وجهاد وسعيٌ دؤوب، وبصيرةٌ ووعي وذَكَاء، وعبودية عميقة لله وزَكاء، واهتمامٌ بالخير يجلبه لكل الناس، وفي الختام شهادةٌ يُقتَل فيها على يد أشقى الناس !

لقد كان الدكتور فتحي الشقاقي أمَّة، كما كان كلُّ مصلح ومجدد أمَّة، وصولاً إلى الأمة الأكبر إبراهيم (ع).

ولاشكّ في أنَّ اكتشاف جوانب هذه الأممية وهذه الأمِّية في شخصية الشقاقي هو عمل واجب، تستفيد منه أجيال هذه الأمة، إذ تتعرف على نبراس ونور من أنوارها، وعلى أسوة صالحة تهتدي به منهجاً وعملاً.

وهذا الاكتشاف يوجب علينا دراسة آثار الشقاقي، ما بين أعمال منظورة ونصوص مكتوبة، والتي لا أشكّ في أنها سوف تكشف لكل باحث عن مستوى ما بلغ إليه الشقاقي من تقدم وارتقاء في الفكر والعمل؛ وأنَّ فتحي الشقاقي هو واحد من فريق التجديد، الذي اصطفى الله أفراده على رأس القرن الخامس عشر الهجري وما حوله، لكي يجددوا لهذه الأمة أمر دينها؛ كما يُستفاد من الأثر النبويّ الوارد في هذا المعنى، وبملاحظة أنّ التجديد لا ينحصر في فرد واحد كما قيل قديماً، وأنّ (مَنْ) الاسم الموصول في قوله (ص): (مَن يجدد لها أمر دينها) اسم ينطبق على المفرد والجمع، ودلالته على الجمع في هذه الرواية أولى من دلالة المفرد.

وقد حفل مطلع القرن الخامس عشر الهجري بالعديد من كبار المصلحين، الذين كانت للشقاقي صلات فكرية وشخصية مع العديد منهم، والذين يشكّلون في رأينا فريق التجديد كما ألمحنا.

ولعلي أقترح هنا عددًا من المحاور لكي تكون مجالات بحث لدراسة شخصية الشقاقي واكتشاف معالم تجديده، من خلال:

– توضيح المعنى الواسع والشامل لمفهوم المقاومة في فكر الشقاقي، وإظهار دوره في توضيح مفهوم الجهاد بشكل صحيح، وأهمية حركته وفكره في توجيه الجهاد عملياً نحو وجهته الصحيحة “إسرائيل”.

– رؤية الشِّقاقي لمفهوم الشهادة، باعتبارها منهج فكر وحياة، لا طريقة انتقال إلى الآخرة فحسب.

– رؤيته لدور البناء الفكري والعقائدي في تكوين الشباب المقاوم، ومسؤولية مكونات الأمة كافّة عن القضية الفلسطينية، في رؤية الشِّقاقي، بما فيها مسؤولية المرأة.

– إسلامية المقاومة في رؤية الشَّهيد الشِّقاقي، بوصفها سمةً أساسية لموقف الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني، وكيف جَمَع الشِّقاقي بين الرؤية الإسلامية للصراع، وبين الانفتاح على كافة الرؤى المناهضة للمشروع الصهيوني.

-موقع قضية فلسطين في حركة التحرر العالمي، وفي مسيرة الكفاح ضد الاستعمار بأشكاله كافة، باعتبار فلسطين مركز الصراع الكوني بين تمام الحق وتمام الباطل.

– دراسة شخصية الشِّقاقي بوصفه أنموذجًا نضاليًا عالميًا، ومنفتحًا على القضايا الأساسية للعالم في مواجهة قوى الاستعمار والاستكبار.

– رؤية الشَّهيد الشِّقاقي للثورة الإسلامية في إيران، ولحركة الإمام الخميني، ولدورها في القضية الفلسطينية.

– رؤية الشقاقي لقضية “الوحدة الإسلامية”، وإدراكه المبكر لأهميتها، وتقديم الدراسات الفكرية عنها، وبيان أهمية وحدة الأمة في الصراع مع العدو الصهيوني، كما في تحقيق المشروع التحرري والنهضوي للأمة.

وفي هذا الموضوع الأخير يبرز الشَّهيد الشِّقاقي مفكرًا إسلاميًا عامًّا، علا فوق الاعتبارات الضيقة إلى أُفُق الإسلام الواسع، وقدّم من خلال إسهاماته النظرية وحركته العملية تعريفًا عمليًا وواقعيًا لمفهوم الوحدة، بيّن فيه أهم الأسس التي تجتمع عليها الأمة، والقضايا الكبرى التي ترتبط بهذه الوحدة في عصرنا، وفي مقدمتها قضية فلسطين.

إنها بعض الجوانب التي تستحق الدراسة في شخصية الشهيد المجدد فتحي الشقاقي، والتي سوف تبرز أمورًا لا تزال خفيةً علينا، تتعلق برؤيته ومشروعه التحريري والتوحيدي والحضاري الشامل، وهكذا فليكن إحياء ذكرى مثل هذا القائد العظيم.

محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى