مقالات

ليست عقيدة.. بل انتهازية

منذُ البدايات الأولى للحركة الصهيونية، ومن بعدها عند تأسيس الكيان الصهيوني، وإلى اليوم، يبذل الكيان الصهيوني، والحركة الصهيونية العالمية جهودًا كبيرة لترسيخ استراتيجيته ومنظومته الفكرية على كل الصُعد، سواء على صعيد الداخل الصهيوني الخاص، أو على الصعيد الخارجي العربي أو الغربي العام، ومن بين هذه القضايا الاستراتيجية الهامة التي يَسعى هذا الكيان لتثبيتها، تلك القاعدة التي تقول بأن الفرد اليهودي له أهمية كبيرة في الفكر الصهيوني، وأنه على استعداد أن يدفع الكثير من أجل هذا العنصر، وأن هذا العنصر قيمته نوعية، وتتناسب طردَا مع أنه فرد من أفراد شعب الله المختار، ولهذا لو أن هذا الفرد تعرّض للأسر على سبيل المثال، أو لو تم احتجاز جثته، فإن هذه القيادة الصهيونية لديها من الإرادة القوية والصلبة أن تبادل هذا العنصرفي حال حياته أو في حالة موته أو بعض أعضاء جسده المتبقية، بالعدد الكبير من الأسرى الأحياء أو الشهداء، وهي تُريد من وراء ذلك أن تزرع في فكر الآخر أن قيمة أفرادها عالية جدًا. هل هذا صحيح ؟ أم إنها دعوى عارية عن الصحة والواقع العملي الحقيقي وليس المُدعى يكذبها بل ينسفها من جذورها ؟

إنّ من يقرأ الماضي البعيد، أو الحاضر القريب بدقة، وبعيدًا عن الحراك الظاهري لهذا الكيان الصهيوني يجد عكس ذلك تمامًا، فهذه الركة الصهيونية وهذا الكيان الذي نتج عن هذه الحركة هو أكثر من اعتدى على العنصر اليهودي في العالم، وهو من جعل هذا العنصر مجرد أرقام وعدد لبناء ذاته الانتهازية الإشكنازية، ليبقى سيدًا مطاعًا، يروي عطشه للقيادة والسيادة والسلطة والمال، من دم وحرية وكرامة العنصر اليهودي في العالم.

ولنضرب الأمثلة على ذلك لتكون بمثابة الأدلة القاطعة على صدق قولنا، ولكي لانقع في فكر التجني على الآخر أو عدم المصداقية، وسيكون المثال من القديم والحديث، وبشكل مختصر لأن القائمة تطول.

لقد استغل دُعاة الصهيونية قضية الإبادة الجماعية لليهود على يد “هتلر” كما يدعون، واستفادوا من حالة الرعب التي نشأت بين اليهود وأسسوا على هذا الأمر عصابات في كل منطقة يتواجد فيها اليهود، وعندما يأتي الأمر من المنظمة الصهيونية بضرورة هجرة اليهود إلى فلسطين لاستكمال مشروع الاستيطان، كانت مهمة هذه العصابات إيجاد حالة من الرعب عند اليهود، لتصبح الهجرة إلى فلسطين هي الهروب الآمن لهم ولذويهم، وهذا ما حدث في كل من مصر والمغرب وغيرها من البلاد العربية أو أوروبا الشرقية حصرًا، وهنا نقول أين قيمة هذا العنصر اليهودي التي يدعيها الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية العالمية ؟ إنّ الأمر لايعدو أن يكون إلا انهازًا سياسيًا وحسب.

والمثال الثاني الحديث جدًا، هو ما قام به “نتنياهو” خلال العملية الانتخابية الأخيرة والتي خسرها في النهاية، فلقد استخدم ورقة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في الانتخابات ليملك من خلالها صناديق الاقتراع وحسب، ولم يكن ينظر أبدًا إلى آلام ذوي الأسرى الإسرائيليين إلا من أنها ستعطيه أصوات أكبر كلما لعب على مشاعر المواطن الصهيوني، ولقد خرج من العملية الأنتخابية ولم يُعيد أي أسير صهيوني إلى أهله، لأن هذا الورقة قد أفشلتها المقاومة بصلابة موقفها، وهنا تبرز الفكرة الانتهازية التي هي موضوع مقالتنا بأن العنصر الصهيوني ليس إلا ورقة يلعب بها الناخب ليحظى بالوصول إلى كرسي السادة فحسب.

الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى