إرادة الحياة وحتمية النصر أقوى من إجرام الصهاينة
الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري
تتحطم كل صنوف الأسلحة التي يستخدمها العدو في إجرامه على غزة الصمود على تخوم صخرة الصمود المجتمعي، وثبات أبطال المقاومة الذين لم يزدهم قول الناس: إن الحكومات قد اجتمعوا عليكم، فزادهم إيماناً وهم يستمرون في هزيمة جيش الاحتلال الصهيوني.
ولم تتمكن الأشهر الستة من إيقاف حركة الحياة ونشاطها في كل مكان وزمان في الأرض المباركة.
هتف الجهاد بإخوتي ……فمضوا بلا استئذاني
سأعيد أرضي بالدم ……القاني وبالنيراني
والله لن يطؤوا الثرى ……إلا على جثماني
فقد تعالى المجتمع الغزاوي على جراحه، وتجانس مع الحرب الظالمة، واعتاد على ما يجري على أرضه، وأدرك حجم القوى السياسية المحيطة من حوله، وراح يقول كلمته الصادقة بلسان حاله، واستمرار فعاله: أن النصر لن يأتي من خبر يصوغه سياسي محنك، أو موقف من (حاكم هو محكوم من غيره أصلاً)، بل الانتصار تخطه أقدام أبطال ثبتت في الأرض شموخاً في علياء السماء شهداء، وصبراً لا يُعبر عنه بكلمات بلاغية، ولا خطب منمقة، بل هو الواقع المر الذي يرونه أحلى من شهد عسلِ من يريد تغيير تفكيرهم، بنقلهم إلى جغرافية يأمل أن تنسيهم حقهم المشروع في البقاء في أرضهم، وهم ينتظرون إخوتهم ليعودوا إلى أرض الآباء والأجداد؛ عمقاً في جذور التاريخ.
والشيء الوحيد الذي يبعث الأمل في نفوس أهل غزة هو التفاؤل بعظمة المقاومة التي مرغت وجوه الصهاينة وداعميهم في تراب الخزي والعار والذلة، مع التعاضد المجتمعي والوعي الحياتي بدقة المرحلة وتطوراتها.
والذي يحدث من صمود شعبٍ، وثبات أبطالٍ إنما هو إنجاز ما كان ليحصل لولا الإرادة بالحياة والإرادة القتالية؛ لفتية آمنوا بربهم، فزادهم الله هدىً ورشاداً، وأمدهم بعزيمة لا تستكين، ومنحهم إصراراً على مواصلة معركة تحرير الأرض والإنسان.
إنها إرادة لها جذور تاريخية ضاربة في صلابة الأرض، وثبات سندان شجر الأرض المباركة، مستعلية على زخرف الدنيا ولمعان إغراءات جاذبة نحو العيش في مكان تتوفر فيه وسائل الرفاه إلا من الكرامة.
عدوان إرهاب منظم، وإرعاب بكل وسائل الفتك والقتل؛ يجسد مصالح قوى محتلة مستندة لدعم خارجي فاضح مكشوف أمام أعين الشعوب؛ هدفه إبادة جماعية باتت ظاهرة للعيان، لا يكتفي بالقتل والتدمير، بل يستخدم أسوأ أنواع الإبادة: القتل مرضاً (فلا مستشفيات للعلاج) والإماتة جوعاً (فلا إدخال للمساعدات).
استنزاف لكل قوى المجتمع ومقومات وجوده، ومفاعيل صموده، وقتل آماله، ودفن أمانيه في الحياة.
إننا اليوم مع غزة العزة والإباء والشموخ والصمود أمام معركة الإرادات؛ إرادة تفني الإنسان الفلسطيني، وإرادة ثابتة كالجبال الطود الراسخة الراسيات.
ويقينا أن من يمتلك الإرادة والصبر والإيمان فالنصر حليفه، شكراً غزة؛ فطوفان الأقصى ليس مجرد معركة بل هو درس للأمة.
حيث لم نعاصر (آل ياسر)، وموعدهم الجنة؛ ولكننا عاصرنا أسراً محيت أسماؤها من السجل المدني.
ولم نرَ (البراء بن مالك) يحمله أصحابه على التروس ليلقوه في حديقة الموت؛ في مواجهة الكذابين؛ لكنا رأينا مجاهداً يلصق بيده المتفجرات على (الميركافا)!
لم نشاهد (أنس بن النضر) يقبل والناس تفر أمامه في (أُحُد)؛ لكنا شهدنا مجاهداً تصيبه قذيفة؛ فيأبى أن يفارق الحياة إلا ساجداً!
لم نر (زينب؛ عقيلة بني هاشم) تصدح بالحق أمام الظالمين؛ لكنا تابعنا الإعلاميات الزينبيات ينقلن الحقيقة المرة، وهن يستنفرن الهمم لمؤازرة الحق وأهله.
فللزاد الإيماني أهمية في زمن المواجهة؛ قال الله سبحانه وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].