مقالات

المنهج التربوي المقاوم

          المنهج التربوي المقاوم موضوع يحتاج إلى الكثير من الوقت لبحث كل فقراته وجوانبه بإسهاب.[1] لذلك، قرّرت أن أكتب تمهيداً كمقدمة لهذا المنهج التربوي المقاوم، لعلّني أقدر أن أتوسع أكثر فأكثر في ندوات مستقبلية.[2]

          مع أن الظروف التي عصفت بنا في المشرق العربي كانت أليمة، ما زلنا بحاجة إلى منهج تربوي مقاوم معدّل حسب الظروف التي فرضت نفسها، وخاصة المشروع الصهيوني التكفيري الهادف إلى القضاء على المقاومة العربية عامة والمقاومة الفلسطينية خاصة. حيث جاءت أمم الكون بأساطيلها ومرتزقتها ولكن خط المقاومة لا تخيفه الأساطيل لأنه يرفض الذّلة والاستسلام والانبطاح والتطبيع والخضوع للتهديد والوعيد.

          هذا مدخل تعريف للمنهج التربوي المقاوم ويعيد النظر على ضوء الأحداث الأخيرة والخطيرة إلى مفهوم الإصلاح الإجتماعي بعيداً عن المسّ بأمن الدولة وسلامة الوطن.[3]

          إن التقاعس العربي والتآمر على سورية والمقاومة من دول الخليج عموما باستثناء اليمن، يدفعنا إلى إعادة النظر في منهج تربوي مقاوم يحدّد بدقّة العدو الداخلي والخارجي،[4] ويرصد كل اختراق معادي لمحور المقاومة عامة ولقضية فلسطين خاصة.

          على هذا المنهج التربوي المقاوم أن يتماشى مع اختبارات الوقت والزمن لكي نكون سباقين في رصد تحركات العدو على كل الأصعدة ومحاولاته لاختراق صفوفنا وبلبلتنا وهدّ عزيمتنا.

          أنا كراهب فلسطيني مقاوم وثائر، ارتأيت أن أرضية المخيم الفلسطيني ملائمة جداً لهذا المنهج التربوي المقاوم، بسبب الفقر والحرمان ومحاولات تهجير اللاجئين المبرمجة لكي يتنازلوا عن حق العودة.[5] إن سورية دفعت ثمنا باهظا بسبب تمسكها بالقضية الفلسطينية، وفلسطين بقيت حرّة نضالية شعبية ديمقراطية جهادية تحريرية لا تؤمن سوى بثورة حتى النصر، والنصر آتٍ مع فتح قريب.

          المنهج التربوي المقاوم هو مسؤولية كل مقاوم عربي شريف وكل مقاوم غير عربي شريف.[6] إنه منهج الفقراء والمحرومين الذين يتوقون للمعرفة الحقيقية المنبعثة من دروب الآلام والحرمان والإخلاص ونور القيامة من أقصى القدس إلى أقصى الأرض.

          إنه منهج تربوي مقاوم يتساءل عن خيانة جيش الإنقاذ الذي سلّم فلسطين للعدو الصهيوني،[7] الغدة السرطانية التي زُرِعَتْ في مشرقنا العربي.

          هذا المنهج التربوي المقاوم يطمح ناظرا إلى العلاء وعازما على التغيير من دون تطبيع. المقاوم يعرف أن التغيير يُدْخِلَهُ في معاناة شاقة وطويلة[8] ولكن مقاومته هي أفضل من الوضع المهترىء المفروض عليه من الشيطان الأكبر أميركا بإيحاء الشيطانة الزانية إسرائيل المتربّعة على عروش الملوك والدول بخيوط شبكاتها العنكبوتية.

          المقاوم لا يستسلم لهيمنة العدو الإعلامية والتربوية والثقافية، ولا يذوب فيها، ولا يسايرها، ولا يجاملها، ولا يفلسفها، ولا يتعاون معها وكأنها واقع مفروض.[9] من يفعل هذا الشيء يكون من ضعاف النفوس ويجهل بأن هذا الكيان هو أوهن من بيت العنكبوت لهشاشته. العدو واقع مرفوض.

          العدو يفرض حصاراً لكي يُجْبِر المقاومين على الهجرة والسفر وهكذا يصبحون في ملجأ رحمته التي هي ليست سوى قمع واستبداد وقتل للحرية الحقيقية الطبيعية.[10]

          المنهج التربوي المقاوم يساعد المقاوم على تمييز أدوات سلاحه لكي لا يستعمل سلاح العدو عن جهل ويقع فريسة سخرية العدو. المقاوم يميّز، يحلّل، يقرأ، يقارن، يمتحن الأمور من جميع الزوايا، ويكشف الخبايا والخفايا وجميع الأسرار وألغازها. على المقاوم أن يحسب جيداً لكي يميّز بين عدو وصديق. عليه أن لا يستورد أو يقتبس أدوات العدو إلا في حالة خداع العدو لكي يقع هذا العدو في الفخ الذي نصبه لغيره كما حدث عندما هاجمت قوة صهيونية مقرّاً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة وانتهت العملية بانتصار ساحق للفدائيين الفلسطينيين بعدما اكتشفوا مخطط العدو قبل تنفيذ العملية.

          المقاوم يميّز ما ليس له علاقة في أرضنا وما هو غريب عن عاداتنا وقِيَمِنا.[11] المقاوم الحقيقي لا يرضى على الوضع العربي المطبّع والخائن والنائي بنفسه كشيطان أخرس. طموح المقاوم هو العودة إلى فلسطين قلب العروبة بقضيتها المقدسة والمركزية. المقاوم لا يتأثر بعداء العالم له لأنه يعرف انحياز تلك الدول لتأثير العدو وإعلامه وترويج حقوقه الغير المشروعة والغير الصحيحة.

          نحن بحاجة إلى ثورة أصيلة، ثورة من طبيعة أرضنا وفكرنا وأدبياتنا وتراثنا، ثورة مباركة في صراط مستقيم وإيمان قويم،[12] ثورة عربية مشرقية قيامية فوق الأديان لأنها حق، ومن قاوم الحق صرعه.

          أخيراً وليس آخراً، إن المنهج التربوي المقاوم يزدهر وينجح في سورية القوية ويحقق نصرا على العدو كما شاهدنا الإنتصارات العديدة، لأن زمن الهزائم ولّى وابتدأ زمن الإنتصارات. “إسرائيل” سقطت وسيسقط العملاء والمطبّعين معها. نحن سائرون نحو القدس لأن نور القيامة سوف يفيض على كل فلسطين والمشرق مسيحيين ومسلمين. عاشت سورية وعاشت فلسطين.

الأب الراهب الأرثوذكسي العكاوي الجليلي الفلسطيني أنطونيوس حنانيا

الهوامش:


[1]  إن سرعة الأحداث والتطورات تستدعي انتباها دقيقا لسير الأمور وتقييم وقعها على المجتمع.

[2]  أعني بذلك ندوات تأخذ بعين الإعتبار كل الزوايا التربوية لتكون شمولية هادفة لبناء الإنسان الكامل.

[3]  من يتكلم عن ثورة إصلاح ويهدم وطنه يكون عميلا لمشروع دولي معادي كما شاهدنا جنسيات الأمم الآتية لسورية لزعزعة قوتها.

[4]  هذا يتطلب إعادة النظرفي العلاقات العربية العربية بعدما تآمر العرب على سورية كما تآمروا على فلسطين.

[5]  لأن قضية فلسطين مركزية، خدمة المخيم الفلسطيني أكبر تحدٍ للعدو الصهيوني وحلفائه.

[6]  لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي هي فارسية، أنها مُفْضِلَة على فلسطين بسبب تقواها وقد تخطت بلدانا عربية من حيث أمانتها للقدس.

[7]  خيانة العرب تستدعي دراسة ما حصل لكي تنكشف خيوط المؤامرة كاملة.

[8]  هذا ما كلف سورية ثمنا باهظا لعدم تخليها عن القضية الفلسطينية ونضالها الشريف.

[9]  هذا يستدعي علما وثقافة عالية لمعرفة فكر العدو.

[10]  في هذه الحالة، يقع المقاوم بين اختياره للسفر والذي هو أسر في قوانين الأنطمة الغريبة أو البقاء في الفقر والحرمان داخل المخيم أسيرا ولاجئا في بلاد الخيانة العربية.

[11]  كم هو عدد العادات والأزياء الغريبة التي اخترقت مجتمعنا العربي مطيحة بعاداتنا وأزيائنا؟

[12]  التعاون المسيحي الإسلامي ضروري جدا في فلسطين حتى ولو كان المسيحيون قلّة. المسيحيون ليسوا أقليّة إنما قلة بسبب هجرتهم. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى