حصار ينتظر الكسر
يتفنن المستكبرون والطغاة في أساليب قمع خصومهم، وتتراجع عندهم كل القيم الأخلاقية والإنسانية التي يتعارف عليها بني الإنسان، حتى لتظن في لحظة من الزمن بأن هؤلاء القوم لا ينتمون إلى البشر أبداً، بل وكأن قلوبهم قُدت من صخر، فهي أشد من الحجارة قسوة وصلابة، فتراهم يستمتعون بعذاب الآخر بسادية مجنونة، ولا يستريحون إلا عندما يكسرون إرادة الآخر، أو يفارق هذا الآخر الحياة .
وفي الجانب الآخر نرصد ثباتاً نوعياً عند أصحاب المناهج الرسالية، فيترجمون أنصع صور الصبر والتحمل، والثبات على الحق، مهما كان ثمن هذا الثبات باهظاً ومؤلماً، لأنهم لا يتحركون بدوافع نفعية، بل يتحركون بدافع العقيدة التي نذروا أنفسهم لها، ينتظرون إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة .
وفي هذا السياق يمكننا الرجوع إلى سياسة الحصار والتجويع الذي مارسه قديماً المستكبرين من قريش ضد تلك الفئة المؤمنة التي أرادت أن تعيش وفق رؤية آمنت بها، ولكنها تخالف رؤية الطغاة والمستكبرين، فماذا كانت النتيجة ؟ حصاراً خانقاً تعاقدت عليه طغمة الظلم والاستكبار، فكان القرار أن لا يبايعوهم، ولا يدعوا سبباً من أسباب الرزق يصل إليهم، وكانوا يتعاهدون على رفع أسعار السلع حتى لا يتمكن المُحاصرُون في الشِعب من أداء ثمن الطعام والشراب، ولا يقبلوا منهم صلحاً، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يتخلوا عن نبيهم، ويُسلموه للطغمة الظالمة، حتى إن تلك الفئة المؤمنة أكلت ورق الشجر، ونبات الأرض.
ولكن النتيجة كانت غير ما أراده الطاغي المستكبر، جاءت فئة من القوم قد استيقظت عندهم الكرامة والشرف ونصرة أبناء العمومة، وشعرت بحجم الذنب الذي مارسته، فكسرت الحصار، وأعادت الحياة إلى نسقها الطبيعي .
ما أشبه اليوم بالأمس، غزة اليوم هي شِعب الإيمان، وخيار الكرامة والحرية والجهاد، هي صاحبة الرؤية التي لا تعجب الاستكبار العالمي، وهي التي صممت على الصمود في وجه الظلم، منتصرة لخيارها، مهما كان الثمن، لأن العقيدة والمقدسات، والأسرى هم الأغلى مكانة، فصمم الاستكبار أن يجعلها تدفع ثمن خِيارها، تجويعاً وتدميراً وقتلاً للنساء والأطفال، ومنعاً للدواء، ورفعاً للسلع، ورفضاً لكل النداء الإنساني بإيقاف هذه المذبحة الجماعية، وسياسة التطهير العرقي .
هل سيخرج من يكسر جدار الصمت الذي نراه اليوم ؟
هل سنرى تلك الفئة التي ترفض أن يبقى هذا الحال من الظلم والاستكبار الذي تمارسه عصابات الاحتلال على أهل غزة، هل سيتحرك الضمير العربي والإسلامي والإنساني ليضع حداً لهذا الظلم الغير مسبوق في زمن الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان؟
هل سيقرر العالم الحر أن يتحرك على كل الصُعد ليضع إنسانيته موضع التنفيذ ؟
أم سوف يبقى يتفرج على مشهد القتل وكأنه فلم رعب سينتهي بعد قليل، ثم سينتقل إلى محطة أخرى ليتابع مسرحية أخرى تمسح من ذاكرته كل مشاهد الألم التي تابعها من قبل ؟؟؟
كلنا ننتظر أين ستكون الإنسانية، والويل كل الويل إن بقي الصمت هو سيد الموقف.
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو