مقالات

طوفان التحرير

لا يشكّ عاقل في أنّ إعلان الولايات المتحدة عن مشروع وقف إطلاق النار في غزة لم يكن حبّاً في السلام، وكيف يكون كذلك وهي التي تمدّ الكيان الصهيوني بكل أدوات الدمار والإبادة التي قتلت عشرات ألوف الأبرياء، وقدمت للكيان الغاصب درعاً للحماية من المساءلة والعقاب.

ولقد قابلت المقاومة هذه الخطة بالردّ الحكيم، إذ أصرّت على شروطها الأساسية، وفي مقدمتها تحرير الأسرى وعدم القبول بتسليم السلاح.

هذا الموقف الفلسطيني كان وحيداً تقريباً في مواجهة الضغوط الدولية، وضغط الحرب الوحشية التي حوّلت غزة إلى يباب، وتخلّفت معظم الدول العربية والإسلامية، إلا قليلاً، عن تقديم الدعم الكافي لتحسين شروط التفاوض، كما تخلّفت عن الإسناد الحقيقي خلال المعركة.

إنَّ فرحة تحرير الأسرى الأبطال من سجون النازية الصهيونية جعلت الجميع يبتسم رغم الألم، ويستذكر جهود القادة الشهداء الذين خططوا لهذا التحرير، وبذلوا له أرواحهم الطاهرة، ومنهم الشهيد القائد أبو إبراهيم، الذي تمضي اليوم سنة كاملة على ارتقائه.

لكن تحرير الأسرى ليس الإنجاز الوحيد ولا الأهمّ الذي حققه طوفان الأقصى، إذ يعتبر المؤمنون بعدالة قضية فلسطين أن الطوفان كان مرحلة من مراحل معركة التحرير الطويلة، تحرير كامل التراب الفلسطيني، والتخلّص من الكيان الغاصب المعادي للإنسان والقيم والعدالة.

لقد نقل الطوفان قضية فلسطين إلى صدارة المشهد العالمي، وأعطى أحرار العالم دافعاً ليكونوا جبهة واحدة، ونشر الروح الحيّة في الضمير الإنساني، واضعاً حداً واضحاً بين المكافحين في سبيل الحرية والعدالة والسلام لكل الناس، وبين القتلة والمجرمين الذين يحكمون العالم بالقوة الغاشمة.

وعلى هؤلاء الأحرار ألا يسمحوا بتحويل وقف إطلاق النار إلى “صفقة” جديدة، يستغلها المجرمون كي يفرضوا تصفية القضية الفلسطينية بعنوان السلام بعد أن عجزوا عن ذلك منذ سنوات بعنوان صفقة القرن.

ولابد أيضاً من متابعة العمل لمحاكمة الكيان الغاصب على جرائمه ضد الإنسانية في المحاكم الدولية، وعدم السكوت عنها بذريعة وقف الحرب، لأن حقوق الشهداء والجرحى والمتألمين والمهجّرين لا بمكن التغاضي عنها بأي ذريعة.

ومن أجل ذلك ينبغي علينا الاجتهاد في تعريف العالم بالجرائم المرتكبة على اختلاف أنواعها، ومن المتوقع أن تكشف الأيام القادمة عن أبعاد جديدة لحرب الإبادة الصهيونية، مع عودة الناس إلى أراضيهم، وبدء عملية إزالة الأنقاض التي تخفي تحتها ألوف الضحايا.

سوف يستيقظ الناس في غزة بعد وقف الحرب، إن تحقق فعلاً، على معاناة شديدة ومآس تشمل كل جوانب حياتهم، ولابد هنا من الوقوف إلى جانبهم لتجاوز هذه المرحلة، أو التخفيف من تبعاتها في أقل تقدير، خاصة أنّ الحصار لا يزال مستمراً، وأنَّ الكيان الغاصب يتحكم بنظام المعابر ودخول وخروج المواد الإنسانية، وحركة المسافرين من وإلى القطاع، خاصة من المرضى والمصابين.

لن يتوقف مسلسل القتل والتهجير، بل سوف يسعى العدو بكل قوة لمتابعة السيطرة بالقوة النارية على غزة، واختلاق الذرائع لاغتيال كل من يواجه المشروع الصهيوني، ولا يندرج ضمن الخطة الترامبية الصهيونية.

لكن ذلك كلّه لن يحمل الفلسطيني الغيور على التخلي عن قضيته، ولن يجعل أحرار العالم يتراجعون عن متابعة المسيرة، أو إهمال النتائج التي حققها طوفان الأقصى على صعيد الوعي العالمي بعدالة وحقائق القضية الفلسطينية.

لقد تمّ فرض الكيان الغاصب في فلسطين ليكون يداً أساسية لتنفيذ المشروع الإمبريالي الوحشي الغربي، وكان ذلك نتيجة سلسلة من الأعمال والخطط والترتيبات طويلة النفَس، وكذلك سيكون طريق التحرير، عبر سلسلة من الأعمال الواعية والصبورة، ومنها طوفان الأقصى الذي استطاع أن ينقل هذه الحركة التحريرية إلى مستوى جديد جعل فلسطين أقرب إلى التحرير بإذن الله.

أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى