أمة المليار بعد اسـ.ـتشـ.ـهاد السادة والقادة
الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري
لما كانت أمة الملياري مسلم في العدد، لا تُسمِن ولا تُغْنِي من جوع، ولا تنفع الناس في حَرِّ الصيف، ولا في قَرِّ (بَرْدِ) الشتاء، كان من الواجب أن نركز في وقفاتنا بعد ما يزيد عن السنة بعد معركة طوفان الأقصى؛ في محاولات. غير يائسة. للنهوض، مع الأمل الكبير باستنفار الهمم، وإيقاظ الضمائر.
فهل تكرر الزمن، أم تتناسخ همم الناس، ففي زمن مضى قال أمير المؤمنين الإمام علي كرَّم الله وجهه:
(ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسراً وعلاناً، وقلت لكم: اغزوهم من قبل أن يغزوكم، فوالله ما غُزِيَ قوم قط في عقر دارهم إلا ذُلُّوا، فتَخَاذَلْتُم (التخاذل: الكسل والتهاون) وتَوَاكَلْتم، وثَقُلَ عليكم قولي، واتخذتموه وراءكم ظهرياً، حتى شُنِّت عليكم الغارات، ومُلِكَت عليكم الأوطان…
يا عجباً كل العجب! عجب يميت القلب، ويشغل الفهم، ويُكثر الأحزان، من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم، وفشلكم عن حقكم، حتى أصبحتم غرضاً (هدفاً ينال منه كثيرون)، تُرمَون ولا تَرمُون، ويُغَار عليكم ولا تُغِيرون، ويُعصى الله عز وجل فيكم وترضون.
إذا قلت لكم: اغزوهم في الشتاء، قلتم: هذا أوان قر وصر، وإن قلت لكم: اغزوهم في الصيف، قلتم: هذه حمارة القيظ، أَنْظِرْنَا (أمهلنا) ينصرم الحر عنا؛ فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون، فأنتم والله من السيف أفر.
يا أشباه الرجال ولا رجال! ويا طَغَامَ الأحلام (من لا عقل له ولا معرفة)!! ويا عقول ربات (النساء) الحجال (موضع يزين بالثياب)! لوددت أني لم أركم، ولم أعرفكم، معرفة ـ والله ـ جرت ندماً، وأعقبت سَدَماً (السَّدَمُ: الحزن والغيظ)!
قاتلكم الله؛ لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نُغَب التهمام (النُّغَب: جمع نغبة كجرعة وجُرع. والتهمام: الهَمّ) أنفاساً، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان…
ولكن لا رأي لمن لا يطاع) [الكامل، المبرِّد، 1/ 22].
أمة تبلغ في العدد الرقمي من الأنسم ما يزيد عن المليارين، ولكنها غثاء سيل؛ لا نفع منه، ولا قيمة لكثرته.
«يُجْعَلُ الْوَهْنَ فِي قُلُوبِكُمْ، وَيُنْزَعُ الرُّعْبُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ؛ لِحُبِّكُمُ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَتِكُمُ الْمَوْتَ». [مسند أبي داود الطيالسي، (2/ 333)].
«وَالْغُثَاءُ: مَا يَبِسَ مِنَ النَّبْتِ، فَحَمَلَهُ الْمَاءُ، فَأَلْقَاهُ فِي الْجَوَانِبِ» [شرح السنة للبغوي، (15/ 16)].
وغثاء كالزَّبَد (الرغوة) الطافي على سطح الماء لا يُؤبه له؛ شبههم بذلك؛ لقلة غنائهم، ودناءة قدرهم، وخفة أحلامهم، لا يكون لهم قوة وشجاعة، بل يخافون من الأعداء، ويكونون متفرقين، ضعيفي الحال.
(غزة) تُذبح، و(لبنان) يُدمَّر، ولا حول للأمة، ولا قوة لها، والأسوأ أن يكون بعض (أبنائها) مع المستكبر والمحتل (مبرراً) ضد أخيه المستضَّعف، ويُحَمِّله المسؤولية.
لكن الأمّة عبر تاريخها المجيد لم تَخْلُ من أئمّة وسادة، وأبطال شجعان وقادة، ومجاهدين أشداء أقوياء، ومقاومين أشاوس لا يهابون الموت، وشعب صامد صابر محتسب؛ أدرك الحقيقة فتمسك بها، وعرف الحق فاتبعه.
ألا وإن صوت رجال المقاومة ينبعث في نفخِ روح الحياة في شعوب الأرض قاطبة، وهم يحملون في جوانحهم روحاً علوية، أوتيت حظًّا عظيمًا من وراثة النبوة، في كمال الإيمان، وصحة الإلهام، وعلو الهمة، وقوة الإرادة، وصدق العزيمة، وإخلاص النية، ودقة الفراسة، والزهد في الشهوات البدنية، واحتقار الزينة الخادعة، والزهد في الجاه الباطل، وعدم الخوف من الموت.
نعم؛ لقد فهم أولئك المجاهدون، ووعى أولئك المقاومون: سنن الله في الاجتماع، وفصل الخطاب في الإقناع، وفصاحة لسان الحال قبل المقال، وبلاغة التعبير الفعلي وقوة التأثير على الأرض.