صهيون في القدس والحجاز !
حلّ الرئيس الأمريكي كالطاووس ملكاً على من استقبلوه، باستثناء زعماء الكيان الصهيوني، الذين عاملوه بنديّة، وفرضوا عليه في بيانهم المشترك الذي سمّي “وثيقة القدس” أن يلتزم لوحده ودونهم بدعم ما يسمّى “حل الدولتين”، متبرئين كعادتهم من التزاماتهم السابقة مع الذين وقّعوا معهم اتفاقات السلام المزعوم.
ومن حرم بيت المقدس طار الرئيس الأمريكي مباشرة إلى الحرم المكي، نازلاً على بعد حوالي 80 كم من مكة المكرمة، وضمن الحدود الإدارية لبيت الله الحرام، ليثبّت التزامه الذي أعلنه في القدس بأمن الكيان الصهيوني، وضمان تفوقه عسكرياً على كل من حوله من العرب والمسلمين.
نعم. نزل ضمن حدود الميقات وداخل حدود الحرم الذي لا يدخله المسلمون إلا محرمين لأداء الحج والعمرة، لكي يعلن أن إسرائيل ليست عدوا للمسلمين، وأنّ عدوهم يجب أن يكون من أنفسهم، وليكن هذا العدو إيران أو اليمن أو سورية، أو حتى قطر والإمارات والسعودية… لا فرق في ذلك، ما دامت سهام العداوة تتجه من المسلمين نحو بعضهم، ويبقى الكيان الصهيوني في أمان.
وفي الوقت نفسه، ويالَ الاتفاق لا المصادفة؛ ينشر حاخام صهيوني إسرائيلي متطرف صورة له واقفاً على سور مقبرة شهداء أحد الكرام؛ ممسكاً بكتاب الصلوات اليهودية، زاعماً أنه يتلو صلوات الرحمة على أرواح اليهود الذين نصروا رسول الله “ص” في معركة أحد، كما زعم !
هل هذا حقيقي ؟! وهل الفيديوهات والصور العديدة التي انتشرت خلال الأيام الماضية من مكة المكرمة والمدينة المنورة ومن مساجد أخرى في السعودية لمراسلين يهود يتبعون لقنوات إسرائيلية؛ هل هي وثائق حقيقية ؟!
من الواضح أن الأمر صحيح، لدرجة أن الرئيس السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتبادل التغريدات على تويتر مع الحاخام اليهودي الذي زار المدينة المنورة، وأن الحاخام المذكور ينشر صوراً مشتركة له وللشيخ أحمد بن قاسم الغامدي، رئيس الهيئة السعودية المذكورة السابق، خلال استقبال الشيخ في بيته للحاخام !
سقط برقع الحياء، وتهاوت كل الأسوار الكاذبة، وعاد اليهود للمرة الأولى علناً وجهاراً إلى جزيرة العرب، وإلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، منذ أن أخرجهم رسول الله “ص” منها !
ياللعجب، والأعجب منه التبرير بالانفتاح والتعايش والحوار وتقبّل الاختلاف، هذه المصطلحات التي حرمها هؤلاء الشيوخ أنفسهم إذا أردنا استخدامها فيما بين المسلمين، ولا زالوا يفرضون عليها طوق التحريم إذا كنا نتحدث عن السنة والشيعة والزيدية والإباضية والصوفية وغيرهم من بني الإسلام؛ أما إذا كنّا نتحدث عن إسرائيل والصهاينة واليهود فهي واجبةٌ وممدوحة !
يدخل مراسلان صهيونيان من قناة i24NEWS إلى جامع الميداني في مدينة الرياض، ويجلسان بجانب المصلين أثناء الصلاة، ويقولان: “من الصعب تصديق أننا هنا”، وينشران تغريدة لهما عن ذلك مرفقة بالفيديو بتاريخ التاسع عشر من هذا الشهر ! بينما يتجول أحدهما بالكاميرا في فيديو آخر أمام بوابات المسجد الحرام في مكة المكرمة !
ألا يستحق هذا وقفة صريحة وقوية من مراجع المسلمين وعلمائهم ضد هذا الانتهاك، وضد من يسمح به ويشجعه ؟!
لقد قلنا وكررنا من زمان: إن خيانة الأقصى هي خيانة للحرمين الشريفين؛ وهذا ما تثبته الوقائع الجديدة، وهو ما أكد عليه كبار العلماء وأهل الفكر والوعي منذ عقود طويلة، لأنهم أدركوا أن بيع فلسطين والمسجد الأقصى سوف يؤدي حتماً إلى التنازل عن مكة المكرمة والمدينة المنورة.
ورحم الله العلامة الكبير مفتي الموصل الشيخ السيد محمد حبيب العبيدي (1882-1963)، الذي كتب منذ قرن تقريباً: (هدفُ كلِّ عربيّ أيّاً كان دينُه، وكلّ مسلمٍ أيّاً كان عُنصره؛ إنقاذ فلسطين مفتاح الشرق العربي، وقنطرة العبور إلى البلاد المقدسة، إلى الحرمين الشريفين).
بقلم محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين