مقالات

حتمًا عائدون

يشكّل يوم العودة – 15 أيار من كل عام – المناسبة المركزية بين العديد من المناسبات التي تحتفي بها الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين، وينظّم لها أعضاء الحملة مختلف أنواع الأنشطة في أماكن انتشارهم حول العالم.

وكانت الحملة العالمية قد بادرت منذ تأسيسها، وبالتوافق مع شركائها وأصدقائها، على نَبْذِ اسم (يوم النكبة)، الذي أطلق منذ عام 1948 على يوم 15 أيار، لتسمية تلك الجريمة الكبرى التي تمثلت في تسليم فلسطين رسميًا من قِبل القوى العظمى إلى الصهاينة، وإعلان قيام الكيان المؤقت وغير الشرعي “إسرائيل”؛ وكل ذلك على حساب الشعب الفلسطيني، الذي تعرّض لسلسلة كبيرة من الجرائم والانتهاكات التي لا تزال مستمرة حتى الآن، من قتل وتدمير وسجن وتشريد، حتى أصبح معظم الشعب الفلسطيني خارج وطنه، أو لاجئًا في مخيماتٍ داخله، محرومًا من حقّ العودة إلى أرضه ودياره.

ومن هنا كان اختيار اسم (يوم العودة)، حيث إنَّ يوم النكبة صفحة يجب أن تطوى عمليًا، ويُنسخ من الواقع كلُّ أثرٍ أو إجراء عملي ترتَّب عليها، وما دامت تلك “النكبة” هي التي خلقت التهجير والشتات، فإن أفضل عنوان لإلغائها هو “العودة”.

إضافةً لذلك فإنَّ “حقّ العودة” عنوان يختصر كلَّ الحقوق الفلسطينية المسلوبة، ويجمع كلَّ الآمال التي يكافح الفلسطينيون من أجلها، فالعودة تتضمن التحرير وإجلاءَ الغزاة الغاصبين وعودة اللاجئين واستعادة الحقوق المادية والمعنوية، والتعويضَ الماديَّ والمعنوي عن الأذى الذي لحق بهم، ومحاكمةَ كلّ من ساهم في صنع الفظائع والجرائم التي ارتكبت بحقّ الشعب الفلسطيني.

وكما في كل عام، تُطلق الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين شعارًا عامًا تتمحور حول معانيه أنشطة يوم العودة، وقد تمّ التوافق هذا العام على اعتماد شعار (حتمًا عائدون)، وإطلاقه اسمًا على المهرجان الأساسي الذي قامت الحملة بتنظيمه في الوقت نفسه، بالاشتراك ما بين غزة في جنوب فلسطين، والعديسة في جنوب لبنان.

وهي المرّة الأولى التي يُقام فيها مهرجان مشترك بهذا الحجم والحضور الجماهيري والفعاليات المتنوعة، مع خصوصية وتميّز الزمان والمكان الذي أقيم فيه المهرجان، إذ شارك الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في فعاليات مهرجان (حتمًا عائدون) في كلٍّ من غزة وعديسة جنوب لبنان، ووقفوا جميعًا على حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهم يرددون العهود ويؤكدون العزم على العودة وعدم التفريط بالحقوق.

كان المشهد عظيمًا، مليئًا بالعواطف والدموع وخفقات القلوب، والكبار والأطفال والشباب الفلسطيني يتسابقون للوقوف على بُعد خطوات من أرضهم المسلوبة، التي يراها بعضهم للمرة الأولى في حياته رَأيَ العين ومن مسافة قريبة كهذه.

ومما زاد من أهمية هذا المهرجان وفي تفاعل الجماهير الفلسطينية معه، تنظيمه في يوم 21 أيار، الذي يوافق الذكرى الأولى لمعركة سيف القدس، وقريبًا من الذكرى 22 لتحرير جنوب لبنان، الذي وقع في يوم 25 أيار 2000.

إنّ هاتين المناسبتين تؤكدان على عدّة معانٍ، من أهمها إمكانية التحرير، خاصة وأن الموقعين اللذَين أقيم عليهما المهرجان هما موقعان محرران، تمّ إخراج المحتل الصهيوني منهما بقوة المقاومة، وبالمثابرة والتضحية والإيمان.

ومنها أيضًا أن إنجاز العودة أمرٌ غير بعيد إذا تابع الفلسطينيون ومن معهم هذه المسيرة، مسيرة التعاون والتكامل فيما بينهم.

في ذكرى يوم العودة وانتصار سيف القدس وتحرير الجنوب يجب أن نتابع الالتفاف حول القدس، وحول المرابطين فيها، وحول أهلنا في الأراضي المحتلة منذ 1948، الذين أثبتوا جميعًا فشل السياسات الصهيونية التي هدفت إلى عزلهم عن انتمائهم الفلسطيني، كما حاولت تلك السياسات نفسها زرع اليأس من إمكانية العودة في نفوس باقي أبناء الشعب الفلسطيني.

الفلسطينيون كلهم صفٌّ واحد، ولن يستطيع الصهيوني أن ينتزع منهم إيمانهم بعدالة قضيته، ولا أن يثنيَهم عن متابعة الكفاح من أجل استعادة أرضهم وحقوقهم، ولا شكّ في أنهم حتمًا عائدون.

محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى