وداعًا… للتطبيع
قامت “إسرائيل” بهجومٍ استباقي على حيّ الرمال في غزة مستهدفةً القيادي تيسير الجعبري ناقضةً بذلك الهدنة التي بينها وبين الفلسطينيين.
وليس غريبًا هذا الخرق الإسرائيلي الجديد، فتاريخها القديم والحديث مملوء بالخيانات والغدر؛ حتى أنّ القرآن الكريم لعنهم للطبيعة الغادرة فيهم في قوله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) المائدة 13، وقد غدروا بالنبي الأكرم (ص) عشرات المرّات، فحذّره الله منهم قائلًا: (وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الأنفال 71.
فليس لـ “إسرائيل” عهدٌ ولا ذمّة، وهي تستغل أيّة فرصة تتاح لها للعدوان على الشعب الفلسطيني، وهذه حوادث الأيام الأخيرة شاهدةٌ على ذلك.
فقد قامت بسلسلةٍ من عمليات الاعتقال في صفوف القادة الفلسطينيين، شملت عدداً من قيادي حركة الجهاد، كالشيخ المجاهد بسام السعدي والمجاهد أشرف الجدع بعد اقتحام مخيم جنين في الضفة الغربية، وتزامنًا مع موجةِ الاعتقالات قامت الطائرات الإسرائيلية بالعدوان على غزة مستهدفةً أحد قيادي سرايا القدس، وهو تيسير الجعبري، وضربت مناطق مدنية من غزة مخلفة عشرات القتلى ومئات الجرحى خارقةً بذلك الهدنة الموقعة بينها وبين الفلسطينيين.
وبعد القيام بهذه الجريمة دعت “إسرائيل” للإسراع بوقف إطلاق النار وكأنها في جولةٍ سياحية، وظنًا منها بأنها ستتملص هذه المرّة من جريمتها في قتل الفلسطينيين بدمٍ بارد، وأنّه لن يجرؤ أحد على الردّ عليها.
وهي لا تدري أنّ حركة الجهاد كانت متلهفةً لمثل هذه اللحظة لكي تثأر فيها لدماء الشهداء وترد الصاع صاعين، فكان ردها سريعًا ومزمجرًا بأكثر من 100 صاروخ دكّ المدن الإسرائيلية شمالًا وجنوبًا، مؤكدةً للعدو أنه لا أمان للمعتدين وأنّه ليس هناك مكان في “إسرائيل” لا تطاله رشقات صواريخ المقاومة.
ولم يتفاجأ أحد بهذا العدوان، فهو يأتي في سياق التنافس السياسي المحموم في انتخابات الكنيست الخامسة، والتي يطمح من خلالها رئيس الوزراء يائير لابيد ومعه وزير دفاعه بيني غانتس أن يسجلا انتصارًا في هذه المعركة، بعد أن شكك الرأي العام الإسرائيلي بشجاعة رئيس الوزراء، فردًا على اتهامات الصحافة الإسرائيلية قام بالهجوم على حركة الجهاد في عملية عسكرية سماها بـ(طلوع الفجر) على أمل أن يرمي من خلالها عصفورين بحجرٍ واحد، فإلى جانب تحقيق الانتصار على الجهاد أراد يائير لابيد أن يَدقّ إسفينا بين حركتي الجهاد الإسلامي وحماس.
وقد خابت مساعي العدو، فمقابل الهدف الأول أعلنت حركة الجهاد أنها ستواصل المقاومة وأنها لن تمنح “إسرائيل” فرصة تسجيل أيّ هدف في المرمى الفلسطيني، وأنها ستخرج من هذه المعركة كسابقاتها مدحورة منكوسة الرأس، فقد أوقفت وعلى لسان أمين عام الحركة زياد النخالة كافة الوساطات والجهود العربية والدولية والأممية للتهدئة؛ أي إنّ المعركة مستمرة حتى النصر.
أمّا على صعيد الهدف الثاني لـ”إسرائيل” من هذا الهجوم، وهو إحداث هوّة في جدار وحدة المقاومة، فقد انقلب السحر على الساحر، إذ أعلنت جميع الأطراف الفلسطينية من السلطة إلى فصائل المقاومة إلى حركة حماس – كما أعلن الناطق باسمها فوزي برهوم – أنّ “إسرائيل” هي من بدأت العدوان، وأنّ عليها أن تدفع الثمن وتتحمل المسؤولية كاملةً عنها.
وهكذا خابت أحلام “إسرائيل” وهي تستمع للمتحدث باسم حماس وهو يُعلنها بكلّ صراحة غير متوقعة إسرائيليًا أنّ المقاومة بكلّ أذرعها العسكرية وفصائلها موحّدة في هذه المعركة، وستقول كلمتها بكلّ قوة، ولم يعد ممكنًا القبول باستمرار هذا الوضع على ما هو عليه.
لقد أخطأت “إسرائيل” التقدير مرّة أخرى، وانساقت نحو أهوائها في فرض سياسة الهيمنة ومصادرة إرادة المقاومة بأساليب الغطرسة والعنجهية التي تمارسها بين يومٍ وآخر ضد الشعب الفلسطيني الباسل، فجاء الردّ على عدوانها قاسيًا وصاعقًا أيضًا، وكان لابدّ وأن تنال “إسرائيل” الدرس الأخير بعقابٍ لا تنساه الأجيال.
هكذا هي “إسرائيل”، نقولها بالفم الملآن لكل من يثقُ بالعدو، نقولها للمطبعين واللاهثين وراء السراب الإسرائيلي: ليس لـ”إسرائيل” لا عهد ولا ذمام.
اقرؤوا في تاريخها القريب والبعيد وسوف لن تجدوا سوى الغدر والخيانة.
بقلم الدكتور محسن القزويني