مقالات

عن أي نظام دولي تتحدثون ؟

رغم أهمية العمل الديبلوماسي من أجل غزة، فإنَّ ديبلوماسية الفلسطيني الحقيقية هي مقاومته النابعة من إيمانه غير المتردد بحقوقه، ويقينه ببطلان الأسس التي قام عليها المشروع الصهيوني، الأداةِ الأكثر فجوراً التي اخترعها النظام الدولي، الذي كان استعمارياً ولم يزل وسيبقى في بُنيته الأصلية ووسائله وأهدافه كذلك، حتى يأذن الله للتدافع الحضاري بأن يستبدل به نظاماً جديداً أكثر عدالةً وإنسانية.

أي نظام دولي هذا الذي يمكن للمظلوم أن يعتمد عليه في عالم اليوم الذي تقوده ثلةٌ في أمريكا والغرب لا أخلاق لها، ولا ضمير ولا وازع يردعها عن أي جريمة مهما بلغَ ضحاياها ؟!

وأي مبرر لاستمرار وجود منظمات وهيئات مثل جامعة الدول العربية والأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات ومجلس حقوق الإنسان وأمثالها؛ إذا كانت كلها أسيرة لقرار مجموعة من المجرمين الذين هم أولى الناس بأن يُحاكَموا بتهمة الإبادة والجرائم ضد الإنسانية ؟

وما معنى القانون الدولي ؟ إذا كان أشخاص مثل بايدن ونتنياهو يستطيعون أن يفعلوا ما يشاؤون من فظائع، وينالون التأييد من كل أولئك الذين يُدعَون “زعماء العالم”.

وما جدوى الاحتماء بالمنظمات الدولية ؟ إذا كان اللجوء إلى مقرّاتها لا يحمي الأطفال من قصف الطائرات الصهيونية؛ وإذا كان مجرم من الرتبة العاشرة في الكيان الغاصب يستطيع أن يمنع دخول شحنة من الدقيق إلى قطاع غزة، بسبب أنه سيتمّ تسليمها للأونروا، التي قامت عدة دول على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا بقطع التمويل عنها منذ أيام، رغم أنّ هذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة كانت ولم تزل تطبّق كل المعايير التي فرضها الأمريكي عليها، ومن جملتها على سبيل المثال المعايير الثقافية في مدارسها، التي تمنع من الحديث عن تحرير فلسطين، أو تشير ولو من بعيد إلى المقاومة، أو تلمّح إلى جرائم الكيان الغاصب؛ وكان الفصل والإبعاد مصيرَ كلّ مدرّس أو معلّمة يرتكب إحدى هذه المحظورات.

واليوم يطلع علينا العالم الحرّ وزعماء الديمقراطية في العالم بفصل جديد من فصول المهزلة الوحشية التي اسمها “النظام والقانون الدولي”، إذ يتحدثون عن ضرورة ضبط النفس في الهجوم الذي بدأه الكيان الغاصب على رفح، ويعقّبون بعدها مباشرة: “نحن لا نرى استهدافاً للمدنيين هناك”، كما جاء على لسان الزور الناطق باسم الإدارة الأمريكية !

لقد صدقوا وهم الكاذبون؛ فإنّهم حقاً لا يرون، وقد انبأنا الله عنهم من قبل أنهم لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون، وأن الشيطان استحوذ عليهم، وأنّهم في النهاية سيُغلَبون.

نعم، سوف يغلبهم الفقراء والمظلومون وأبناء الشهداء وبقية الجرحى والمصابين، وعندها يحقّ لنا أن نتحدث عن نظام دولي جديد.

وأما الآن فالحقيقة هي كما كتب المفكر المعروف نعّوم تشومسكي منذ حوالي عشرين سنة (النظام الدولي الجديد يساوي القديم)، بل يتفوق عليه في الإجرام والإسراف في إراقة الدماء وسلب الأرواح.

ثمّة أكثر من مليون لاجئ فلسطيني اليوم في رفح وعلى حدود القطاع مع مصر، التي كنّا ندعوها “أرض الكنانة”، ولا زلنا نؤمن بأنّنا وشعبها شيء واحد.

ثمّة مئات آلاف الأطفال والجرحى ينامون في الخيام ويستيقظون على رجاء أمل بتوقف العدوان الصهيوني، الذي أحال أراضي القطاع إلى أرض غير صالحة للحياة.

ثمّة اختبار أخير للإنسانية، للعروبة، للمسلمين، للمسيحيين، للمتدينين، لدعاة حقوق الإنسان، اسمه رفح… مسرحه غزة… عنوانه فلسطين.

كل الكلمات قليلة أمام هول الجريمة التي تجري هناك، وأمام رؤوس النعام المطمورة في تراب الذل، والأيادي الممتدة بالإغاثة ولكن إلى المجرمين والقاتلين.

وكل الأنظمة ساقطة أمام استحقاق الضرب على يد المعتدي الأثيم… فعن أي نظام عربي أو دولي تتحدثون ؟!

الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى