فلسطين إلى أين ؟
بعد التغيرات الجيوسياسية الكبيرة التي عصفت بالمنطقة، منذ طوفان الأقصى وحرب الإبادة الصهيونية، انتهاء باحتلال الكيان الغاصب لمناطق إضافية في مرتفعات الجولان السورية بمساحة تقدّر بأكثر من 400كم2؛ يحقّ لكل محبٍّ لفلسطين أن يتساءل: إلى أين تسير القضية الفلسطينية ؟
وأول ما يخطر في البال تعقيباً على هذا السؤال أن نشكر السائل، لأنّه ما كان ليخافَ على فلسطين لولا محبته لها، ولولا إيمانه بعدالة قضيتها، وأنّه يعتبرها قضيته الأساسية.
ومن هذه النقطة ينطلق الجواب على السؤال المشروع، حيث نرى أنّ أي تغيّر ظاهري بميزان القوى العسكرية في الصراع مع المشروع الصهيوني العنصري، لا يعني أنّ هذا التغيّر ينسحب على باقي الموازين الأساسية، وفي مقدمتها إيمان الناس وتمسكهم بمشروع تحرير فلسطين، وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وكافة الشعوب المظلومة.
وقد حدثنا التاريخ القريب عن ثورات أنجزت مشروعها التحرري رغم التفوق العسكري الكبير للمعتدي، بفضل الإيمان والقناعة الراسخة أولاً، إلى جانب المثابرة ومتابعة العمل وبذل الجهد والكفاح العظيم رغم التضحيات الجسيمة، كما حصل في فيتنام التي خسرت أكثر من 800 ألف إنسان خلال أقل من عشر سنوات، حتى تحقق الانسحاب الأمريكي منها، وكما في الجزائر التي نعرفها جميعاً بلقب “بلد المليون شهيد”.
أمّا عن إيمان الشعب الفلسطيني بعدالة قضيته وتحرير كامل الأرض، فحدِّث ولا حرَج عن ذلك، وقُل ما شئتَ أيضاً في تمسّك هذا الشعب بنهج المقاومة سبيلاً للوقوف في وجه العدوان المستمر.
ويحضرني ههنا الحديث النبوي الشريف الذي يرويه خبَّاب بن الأرَتّ رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدةً، فقلنا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لنا، ألا تدعو الله لنا ؟ فقال: «قد كانَ مَن قَبلكم يُؤخذُ الرجلُ فيُحفرُ له في الأرض، فيُجعل فيها، ثمَّ يُؤتى بالمِنْشَارِ فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويُمشط بأمشاطِ الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يَصُدُّهُ ذلك عن دينه. والله لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غَنَمِه، ولكنكم تستعجلون».
وقد سبق وقلنا في عدد سابق أنّنا نفهم من الاستعجال هنا دلالةً آخر غير المعنى المتعلّق بالزمان، وأنَّ الذم ينصرف في تقديرنا إلى الاستعجال الذي يعني طلب الشيء قبل تحقيق شروطه وتقديم العمل اللازم له.
كما يلفت نظرنا المثال الذي استحضره النبيّ صلى الله عليه وسلم من تجارب الأمم السابقة، والذي يؤكد على أهمية الثبات وتقبّل التضحية بروح إيجابية وعزيمة راسخة، وهو ما نراه في صمود أهالي غزة والوعي الذي يتحلَّون به والبصيرة والإيمان الذي يحملونه.
ما سبق يجعلنا واثقين أن فلسطين تتجه نحو الغاية التي يسعى إليها أهلها، والتي يساندهم فيها ويقف معهم لأجلها كل أحرار العالم من كل جنس ومعتقد وإقليم.
هذا ولم نتحدث عن العوامل الذاتية التي تنخر في جسد الكيان الغاصب، والتي أفاض العديد من المفكرين والباحثين اليهود في الحديث عنها، والتي تؤكد أيضاً زوال هذا الكيان الغاصب.
وههنا نقطتان نختم بهما:
أولاً- نحن ملزمون أخلاقياً بأن يكون لنا موقف من هذا الصراع، ننصر فيه الحقّ الواضح، ومن اتخذ هذا الموقف كان جديراً بشرف الشهادة أمام الله سبحانه يوم يقوم الأشهاد.
ثانياً- إنّ موقف أي تنظيم أو حركة تغييرية أو إنسان من فلسطين والكيان الغاصب عاملٌ أساسيٌ في رسم الصورة عنه، وتحديد الموقف منه، فليست فلسطين قضية خلافية في اعتقادنا، ولكنها بوصلة ومعيار، فمن نصر فلسطين فهو منَّا ونحن منه، وكفى بفلسطين رابطة.
أمانة سر الملتقى العلمائي