مقالات

كلمَّا عاهَدوا نقَضوا

كيف يطمع أحدٌ ما في أن يعيش بسلام مع الناس وهو لا يفتأ يَنصِب لهم العداوة، ويتعرّض لهم بالأذى البالغ، وينتهك كلَّ الحرمات التي أمر الله برعايتها، ويعتدي على كل الحقوق التي يحكم العقل بصيانتها، ويوغل في الدماء سفكاً وفي الأرض إفساداً وتدميراً ؟!

هذا هو حال الصهاينة المجرمين مع أهل فلسطين، ومع كل أمتنا من عرب ومسلمين.

ولا نستغرب من الصهاينة أن يكونوا كذلك، وهم الذين ورثوا نهج الإفساد عن أسلافهم، الذين وصف القرآن الكريم حالهم ببليغ الكلمات، محذراً الإنسانية من الركون إليهم أو الاطمئنان إلى عهودهم.

ولئن نقض أولئك الأسلاف عهدَ الله تعالى وميثاقه، حتى استحقوا اللعنة إلى يوم الدِّين: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ﴾، فكيف يرعون – هم أو من خَلَفَ بعدهم – عهدَهم مع الناس: ﴿أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (*) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

لذا ليس عجيباً أن ينقض الكيان الغاصب اتفاقه مع المقاومة، ولو على حساب حياة وأرواح جنوده الذين في الأسر، فلا قيمة للحياة الإنسانية لدى هؤلاء المجرمين؛ بل العجيب أن يلتزم هذا الكيان الغادر بأي اتفاق، أو أن يفيَ بأية معاهدة، خاصةً وهو يستند إلى دعم قوة ظالمة قامت على إبادة الشعوب ولا تزال مستمرة بهذا النهج نفسه.

كلما عاهدوا عهداً نقضوه، بذرائع واهية لا معنى لها؛ وكلما فعلوا ذلك حطّموا المزيد من أساسات الكيان الذي بنَوه بالغصب والإكراه.

وكلما نكثوا وغدروا ازداد الفلسطينيون تمسكاً بحقوقهم، ومقاومةً في سبيل الحرية والتحرير، مهما فقدوا من الأرواح أو خسروا من البيوت والأموال.

ومما لا شك فيه عند المؤمنين، وتؤيده حركة التاريخ وسُنن الله تعالى في المجتمعات والأمم، أنّ الاستعلاء بالقوة الغاشمة لا يمكن أن يدوم، مهما بلغت الدول من العظمة في الاقتصاد أو السلاح والجنود، وكان على هؤلاء أن يعتبروا بنهاية فرعون أو قارون:

﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (*) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾.

﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ﴾.

وإذا كان وزير الحرب الأمريكي يقول: “الرئيس ترامب كلفني بمهمة واضحة وهي تحقيق السلام من خلال القوة”.

فإنَّنا نقول له: لن تنفعكم قوتكم أمام أصحاب الأرض، ولن ينخدع العالم بهذا الاستسلام الذليل الذي تسمونه سلاماً بالزور والبهتان.

وكما سقطت صفقة القرن، وسقط أوهام ريفيرا غزة، فسوف تُسقط المقاومة الشريفة والمشروعة كل أوهام المستكبرين، وليس لكم والله إلا أن ترحلوا إلى بلدانكم التي جئتم منها لتحتلوا أرضنا، مهما طال الزمان.

وما دمنا في شهر رمضان فإنَّ على العالم الإسلامي أن يفكّر أكثر وأكثر في واجباته تجاه فلسطين، وأن يعيد النظر في نهج الخنوع والخضوع أمام الإرادة الأمريكية الصهيونية؛ بعد أن بلغ الإذلال والإهانات التي تُوجَّه إلى الإسلام والمسلمين حداً هائلاً لم يسبق أن بلغته في حقّ أمتنا في يوم من الأيام، وبعد أن أصبح العدو الصهيوني حرّ التصرّف في أجواء وأراضي الدول المحيطة به، يقتل ويدمّر حيث يشاء دون رادع، إلا ما تفعله المقاومة في فلسطين واليمن، الذين يحملون عبء مواجهة الباطل العالمي، ويذودون عن حرمة الإنسان والإسلام في زمن التخاذل: ﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

أمانة سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى