غزة.. أسطول كسر الحصار وتثبيت البوصلة

بقلم الشيخ محمد الناوي
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21)
هل هي مصادفة أن تتجمّع أساطيلُ العالم لكسر الحصار عن غزة، وأن تتوافد شخصياتٌ فاعلة من أقصى الأرض إلى ميناء الوليّ الصالح سيدي أبي سعيد التونسي؟
أم أن الأقدار سبقت أزلاً لتوجّه الأحداث، وفق المشيئة الإلهية، نحو نصرٍ باهرٍ وفَرَجٍ عاجلٍ لأهلنا المكلومين في أرض الرباط؟
لا يَخفى على أحدٍ أن الظلم قد طغى في الأرض، وأن منظومةً غربيةً أحاديةَ القُطبية بَسَطت غلبتَها واستبدادَها، فباتت اليوم محلَّ مساءلةٍ وثورةٍ شعبية. لقد أدركت الشعوب المستنيرة أن أحاديةَ القرار جعلت من قوى الاستكبار حجرَ عثرةٍ أمام كرامة الإنسان وحقوقه؛ وما يعجّل برحيل هذه الحقبة هو الحراك الشعبي العالمي الذي شهدناه استنكارًا لجرائم الاحتلال في غزة وفلسطين على مدى عقود.
طوفان الأقصى نقطةُ تحوّلٍ كبرى: حِراكٌ أزاح غشاوةَ الرواية المزيّفة، وكشف زيفَ من احتكر القرار الدولي، وأعاد بوصلةَ الحقّ إلى مكانها. لقد أصبح الطوفانُ صرخةً دفعت العالم إلى مراجعةِ موقفه، وأثبتَ أن الرهانَ على حلولٍ نصفيةٍ هو رهانٌ خاسرٌ يؤدي إلى ذوبان الحقوق مع الزمن، بينما تقطع حركاتٌ من هذا النوع طريقَ التطبيع، وتُحرّض الضمائر على التضامن الحقيقي.
صحيح أن الدماء سالت، وأن الخرابَ وقع، لكن الطوفانَ اختصر على الأمة والإنسانية ثمنَ الصمت الطويل، وكشف هشاشةَ منظومةٍ اعتقدت أنها قادرةٌ على التحكّم في مصائر الشعوب. فالطوفانُ هنا ليس نهايةَ الطريق، بل بدايةٌ لتصحيحِ المسارات، وإعادةِ بناءِ أسسِ العدالة والكرامة.
وعودةً إلى أسطول كسر الحصار، الذي توقّف في ميناء سيدي أبي سعيد التونسي قبل الإبحار نحو غزة: هل يصحب هذا المكانُ بركاتٍ روحيةً ورمزيةً، خصوصًا وأنّ هذا الوليّ تتلمذ على يد أحد العارفين، الشيخ شعيب أبي مدين التلمساني الجزائري، الذي خاض معاركَ لتحرير بيت المقدس؟ وهل يكتسب الأسطولُ زخمًا إضافيًا لكون الميناء نفسه شهد، قبل عقود، اغتيالَ قياداتٍ فلسطينيةٍ بارزة، منها الشهيد أبو جهاد؟
سواء نجح الأسطولُ في مهمّته أم تعرّض له العدو، فسيبقى أكبرَ تعبيرٍ عن ضمير الإنسانية العالمية، وسيكون منطلقًا لأشكالٍ جديدةٍ من المقاومة، حتى يتوقّف العدوانُ، ويزول هذا الكيانُ المغتصب بعدما تكشّفت حقيقته أمام الملايين.
﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال: 10)