مقالات

إمّا فلسطين وإمّا الهوان

تُقدم استقالة وزير الخارجية وعدد من وزراء الحكومة الهولندية الآخرين بصيصاً من الضوء في عتمة الخنوع الدولي والانقياد الذليل للطغيان الأمريكي الذي يطارد كل من يحاول التساؤل عن نهاية حرب الإبادة في غزة، وعن مبررات قَتل الناس بلا رادع، تجويعاً وقنصاً وسجناً وغيرها.

هذا في الزمن الذي تخلّى فيه القادة العرب عن كل مسؤولية، ونسَوا كلَّ قيمة تدعو إلى مواجهة الظلم أو مؤازرة المظلوم، حتى لَيصدق عليهم نداء الحسين بن علي رضي الله عنهما: (إنْ لمْ يَكُنْ لكم دِينٌ، وكنتُم لا تخافون المعادَ، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجِعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعراباً)، ولكن هيهات هيهات، فقد قالها الناطق باسم المقاومة في غزة، في رسالته المصورة الأخيرة، التي حمّل فيها كلَّ صاحب قدرةٍ المسؤوليةَ عن إبادة الشعب الفلسطيني، وأعلنها في وجوه المتخاذلين: لولا أنَّ هذا العدوّ أَمِنَ العقوبةَ ما تجرأ علينا. بل وأعلنَ السنوار وغيره من قبل: لولا أنكم تساندون هذا العدوَ علينا لَكُنّا كفيناكم شرّه وطغيانه، وتكفّلنا بردعه وحْدَنا.

فيا أبناء هذه الأمة الذين يرَون إخوتهم يُذبَّحون ليلَ نهار: أتظنون أن إلقاء المسؤولية على الحكّام يبرّر تقاعسنا أمام الله ؟ وهل نظنّ أنّنا لا نستطيع حيلة ولا نملك من الأمر شيئاً ؟

وإذا سلَّمنا لأنفسنا بذلك جدلاً، فهل انتهى دورنا وسقط عنّا التكليف الذي لا يزول إلا بالجنون المطبق ؟! إنّي لأرى يومياً منشورات على صفحات التواصل لعموم الناس، لا تدلّ على أقلّ من الغفلة والتجاهل للنار التي تحرق إخواننا وقد بدأت فعلاً تمتدّ إلينا من كل الجهات.

كما ألتقي وأسمع شباباً من أبنائنا، لا يشغلهم عن أحلامهم ورغباتهم الصغيرة شاغل، وقد أعمتهم عن تكوين شخصياتهم المستقلة، ومتابعة شؤون أمتهم، والاهتمام بأمر عامة المسلمين، وكأنهم ليسوا منهم. في مقابل ذلك يتابع الصهيوني بكل إصرار حرب الإبادة على غزة، ويقوم بتغيير الواقع الجغرافي والسكاني في جنين وطولكرم وعدد من مخيمات الضفة، ويضرب في اليمن ويقصف ويحتل أراض في سورية ولبنان دون رادع ولا حساب، بينما يصول المبعوثون الأمريكيون ويجولون بين عواصمنا وهم يتحدثون بكل صلَف واستكبار وكأنهم آلهةٌ لا رادَّ لقضائها.

فأي تخاذل وهوان هذا الذي نحن فيه، وماذا بقي لنا من ديننا وشرفنا وكرامتنا، وبمَ يفرح أحدنا؟! أبطعامه وشرابه وأمانيه ؟ أم بزواجه وبيته وأولاده ؟ أم بالمستقبل الذي لا يَعِده إلا بالمزيد من الخنوع والارتهان وقد سلّمنا مفاتيح حياتنا وكلمات الدخول إلى كل خصوصياتنا للعدو الذي لا يخاف الله ولا يرحمنا. والمفارقة العجيبة أن يدعو بعضُنا الشعب الفلسطيني والمقاومة إلى إلقاء سلاحها، ويلومونهم على قرار 7 أكتوبر، ويحمّلون آخرين مسؤولية مساندة غزة، بينما يجلسون على أرائكهم مرتاحين، وقد نسوا قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ. هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.

فادرؤوا أيها المتخاذلون الذلَّ عن أنفسكم إن استطعتم، ولستم بقادرين، وأبشروا بخسارة مناصبكم ودولكم وحياتكم، والأمثلةُ قريبة منكم لم يُنْسَ بَعْدُ صوتها، ولا زال يتردد صداها.

أو لعلنا جميعاً نتوب عمّا نحن فيه، ونختار فلسطين وغزة والحياة الشريفة والموت الكريم، قبل أن تختارنا الذلَّة وغضب الله، والعياذ بالله السميع العليم

أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى