السيف أصدق أنباءً من الكتب
أبو تمام قالها منذ أربعة عشر قرنًا ونيف، بعد معركة عمورية التي فتحت باب النصر أمام المسلمين.
نسمع اليوم إحصائيات وأرقامًا تُشبه الخيال، تمر على آذان معظم المسلمين والعرب والبشرية وكأنها أرقامٌ مجردة ليس لها صلة بحق أو دماء أو أرواح أو إنسانية.
نقرأ قائمة هدم المنازل والمشافي ودور العبادة، ولا يلتفت وجداننا إلى أن هذه البيوت والمشافي ودور العبادة لم تكن لمخلوقات وهمية أو أسطورية، بل هي بيوت بشر أرادوا أن يعيشوا مع ذويهم حياة الحرية والكرامة والإنسانية التي أقرتها كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية.
لماذا هذا الصمت من كل هؤلاء؟!
حوالى مئة ألف إنسان بلا طعام في غزة العزة! وهم يشكلون نسبة 90% من السكان.
أربعة عشر ألف مريض بلا علاج ولا يُسمح لهم بالخروج لتلقي العلاج!
باتت غزة اليوم مقبرة للأطفال والأيتام والنساء وكبار السن! لو كان المشهد بالعكس، كم عدد المنظمات الدولية الإغاثية والإنسانية التي ستتوجه هناك لحل هذه الكارثة؟ لو كان هناك حيوان عالق في مكان ولا يستطيع الخروج، لرأينا كل المؤسسات المعنية بالحفاظ على صحة الحيوان تتحرك لإنقاذه! ولكن يبدو أن مفهوم الإنسانية وواجب المؤسسات بات مفهوماً خاصاً بحيوان معين وإنسان معين، ولا يشمل كل الجنس البشري.
حتى إن هذا الفهم ليس مقتصراً على الغرب وحده بازدواجية المعايير، بل بات لدى زعماء عرب ومسلمين تحركوا لنصرة الجلاد وتركوا الضحية تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام أعينهم.
ما السبب الحقيقي لهذا المشهد؟
لن أطيل في الإجابة؛ إنه تمسك الصهيوني بالأرض التي وعده بها الرب، وإصرار القوى الاستكبارية على نهب ثروات الآخر غير الساكسوني، وتكليف اليهود بأداء الدور الوظيفي المناط بهم، مقابل دعم غير محدود من هذا الغرب المتواطئ.
تعالَ نستمع إلى ما يقوله المستوطن الصهيوني:
يقول “هارون”، الذي يقيم في مستوطنة “أوفرا” منذ خمس سنوات: “إنني أمتلك ما لدي باسم التوراة! وكل اعتراضات العرب لا وزن لها عندي”.
ويقول “شالوم”، الذي يقيم في مستوطنة “كريات أربع”: “إن اهتمامي الرئيسي مُنصب على عودة الشعب اليهودي للإقامة بأرضه، وإذا كان العرب لا يرون أن النصوص التوراتية سبب كافٍ لحق الملكية فهذه مشكلتهم”. وقائمة هؤلاء طويلة، لا يمكن سردها لضيق المساحة. هكذا ينظرون للأمر، بينما تصدح أصوات عربية وإسلامية بضرورة التطبيع والتعايش السلمي، بل وتقر بحق تاريخي لليهود في المنطقة، بل يساعدون الكيان بكل أسباب البقاء والقوة، ويبذلون كل ما يملكون من طاقة لقتل روح الجهاد والمقاومة، بل يتآمرون عليها في غرفهم المغلقة عندما يجلسون مع أسيادهم وأولياء نعمتهم!
لن يقف هذا المشهد بكل تضاريسه ضد هذا العدوان الظالم بشتى صوره إلا بحد البندقية المجاهدة، التقية، النقية، المدافعة عن الأرض والعرض والمقدسات، وعن إنسانية الإنسان كل الإنسان، ليعيش الجميع بلا استكبار ولا ظلم ولا سرقة للحقوق، لتعيش الإنسانية حياة المساواة البشرية بمعايير غير مزدوجة.
مهما كان ثمن الحرية كبيرًا، فإن ثمن الذل أكبر، والبندقية عندها الخبر الأصدق، ولن تكذب في الإجابة، لأنها لم تتعلم الكذب والهزيمة.
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو