فلسطين العروة الوثقى وحبلُ الوحدة المتين
إن القراءة القرآنية للتاريخ كفيلةٌ بأن تحصر آلام الحاضر وهزائمه ونكساته في أبعادها النسبية.
لأن “القضايا” و”المشاكل” التاريخية تتحدد حسب هذه الرؤية انطلاقًا من ظرف شاسع معقد، لهذا لا يمكن للنشرات الخاطفة أو المقتطعات الانطباعية الموصولة بالمستعجلات السياسية أن تربطنا حقًا بالتاريخ.
حذارِ إذن أن تقطع الأحداث وأفعال البشر وضرورة التدافع صلتنا بالمطلق وبالموعود الرباني.
حقًا إن التحدي الصهيوني يفعل فعله في الواقع المعيش وفي نفسانية العرب المسلمين وغير المسلمين، لكننا إذا عزلناه وضخمناه متأثرين بهمومنا وآلامنا، أصبح عائقًا يستحيل تجاوزه، أما إذا وضعناه في السياق التاريخي الإسلامي وقسناه بمقياس التاريخ الإسلامي فإنه يصبح مجرّد هبّة ريحٍ عابرة.
إن انتسابنا إلى البُعد الرباني وإلى استمراريةٍ تتجاوز حدود التاريخ لا يعني أبدًا أننا نفرّ من المعركة الحاضرة الـمُحسّة، بدليل استبسال المنظمات الإسلامية في فلسطين وفي جنوب لبنان.
لا يمكن لنا أن نتحدث عن فلسطين دون أن نؤكد ونرسّخ في الوجدان وفي العقول أن فلسطين ليست مجرد وطن بل أكبر من ذلك بكثير، إنها عقيدة لدى المسلمين، ولذلك كانت هذه الأرض وستظل نقطةَ الارتكازٍ لعقيدة التوحيد وعقيدة الوحدة الإسلامية التي لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن نعتبرها قضية فرعية.
وهي في حقنا معشـرَ المكلفين أمرٌ شرعيٌّ. إسلامُنا مَخرومٌ حتى يلتئم شملُنا ونكونَ أمة واحدة.
الوحدة في حقنا مطلَبٌ شرعي ومكسَب يجب أن نشمّر لتحقيقه ونجاهد ونخوض معارك مع القُوى المعاكسة المادية الخارجية والنفسية الذاتية والعدوة المعترضة.
قال الله جلت عظمته يخاطب المؤمنين: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا) سورة هود، الآية 119-118
ولذلك فإن كل مهرول ساقطٍ نحو التطبيع مع الكيان الغاصب لا يدري ولا يعلم – وأنى له ذلك – أنه يمسّ بقضية عقدية وبجُدُر وحدة الأمة، لأن سقوطه الأخلاقي والقيمي والمعرفي هذا – إن كان من ذلك شيء – جعله يظن في خياله المريض أن الأمر أو القضية هي مناورات سياسية وحرص على الحصول على المناصب وكراسي الحكم والسلطة .
فلسطين عنوان وحدة الأمة وجزء أساسٌ في عقيدتها التوحيدية الوحدوية، ولذلك فكل تطبيع هو مساسٌ بعقيدة الأمة ومحاولة بائسة في شق صفها ووحدتها، لكن هيهات هيهات منا الذلة، هيهات لكل من يحلم بهذا فقد علمتنا الأيام والتاريخ أن كل مساس بقدسنا وبفلسطين العقيدة لا يزيدنا إلا وحدةً وتراصًا، ولكن الظالمين والسذج لا يعلمون.
د.محمد الحساني
عضو منتدى الوحدة الإسلامية في لندن