العقيدة تنتصر

خطّان لا ثالث لهما: إمّا الجهاد والمقاومة، وإمّا الذلّ والهوان وضياع الأوطان، ولكلٍّ منهما تكاليفه الباهظة.
الأوّل ثمنه الهجرة والنفي وفقدان الأهل والأولاد والأموال والأمن، والثاني ثمنه العيش بسلامة ظاهرية فقط.
لكنّ ثمرة كلّ خطّ مختلفة تماماً في كلّ الاتجاهات؛ ثمرة الخطّ الأوّل: عودة الحقّ والأمن والمال، واستقرار الأولاد، وحفظ الأعراض والأوطان، ورضا الله تعالى. أمّا ثمرة الخطّ الثاني ـ إن صحّت تسميتها ثمرة ـ فهي رخاء ظاهري مصحوب بالذلّ والمهانة وخيانة الدين والأرض والأمة، والتبعية الذليلة للمستكبر الذي لن يرضى عنك إلا ما دمت عبداً يُحركك كما يشاء، وتُنفذ له كل مشاريعه القذرة، ثم يتخلّص منك عندما تصبح بلا فائدة تُرجى منك أو عبئاً عليه.
أقول هذا ردّاً على كلّ من يتحدّث اليوم مدّعياً أنّه مثقّف تارة، ومحلّل استراتيجي تارة أخرى، أو قارئ للأحداث “بموضوعية” في موقع آخر، ليسرقوا فرحة النصر منا، ويُقدّموها لأنظمة الطغيان والاستكبار والاحتلال، ليُثبتوا لهم أنهم عملاء مخلصون وقادرون على فعل المزيد.
إنّهم يُسوّقون ـ بقذارة منقطعة النظير ـ بأنّ غزة هُزمت، ليستبقوا ويُعمّقوا في العقل الجمعي العربي والإسلامي حالة الذلّ والمهانة، حالة القطيع والمرياع، لتبقى يد المحتلّ والمستعمر هي التي تقود المشهد، وتبقى الشعوب عبيداً عند العم سام وأذرعه الممتدة في فراغنا السياسي والاجتماعي، وحتى الديني أحياناً.
لتبقى النظرية القائلة بتفوّق الغرب العرقي والفكري والحضاري هي السائدة، وتخلّف العربي والمسلم عرقيّاً وفكريّاً وحضاريّاً هي السائدة أيضاً. وليس للمسلم من حلّ إلا أن يبقى خادماً عند الغرب وأذرعه ليستطيع أن يُكمل مسيرة حياته. ولكن، هل فعلاً حالة التبعية بهذه الصورة المخزية جلبت لأصحابها حياة الكرامة والعزّة والرخاء الاجتماعي، أم زادتهم امتهاناً وعبودية؟ لعلّ أكبر جواب على هذا الوضع يكمن فيما قاله كسينجر عن مصير العميل لديهم.
انتصرت غزة، نعم.
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين