مقالات

غزة: من طـ.ـ.ـوفـ.ـان الأقصى إلى طـ.ـ.ـوفـ.ـان الوعي

بقلم الشيخ محمد الناوي

يقول الله تعالى: ﴿الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم﴾ (آل عمران: 172).

بالعودة إلى قرآننا وسيرة نبينا عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام، وما أصاب المسلمين يوم (أُحد)، وما تلاه من تحركات نبوية وصلت إلى (حمراء الأسد)، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة قوية إلى كفار قريش بعد أن بلغه كلامهم وعزمهم على اجتثاث المسلمين والقضاء عليهم نهائيًا. ومفاد الرسالة أن الهزيمة في معركة لا تعني نهاية الصراع أبدًا، وأن القوة عند المسلمين لا تزال قائمة.

في البداية، لا بد أن نبيّن حقيقة ثابتة، وهي أن صراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع وجود متواصل حتى التحرير الكامل لفلسطين. ونحن نقول هذا انطلاقًا من حقائق قرآنية ثابتة.

 في المقابل، نحن في مواجهة عدو شرس بيده كل أسباب القوة المادية، ويحمل عقيدة تلمودية خلاصتها بناء مملكة بني إسرائيل من الفرات إلى النيل، ولو على جماجم كل العالم.

والحقيقة الثانية التي لا يختلف عليها اثنان هي الطبيعة الإجرامية لهذا العدو، التي تكشفت منذ النكبة الأولى عام 1948، وتجلت بوضوح كامل خلال طوفان الأقصى. بل إن القرآن الكريم يبيّن في العديد من الآيات إجرامهم اللامحدود.

ومن هنا، لا بد أن نعي الدور الكبير الذي يتحتم على كل مؤمن وشريف أن يقوم به تجاه غزة وأهلها بعد إعلان وقف الحرب. وهذا الدور عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح﴾.

إن وقف الحرب لا يعني نهايتها، وعودة الحرب تعني الإمعان في جرائم الإبادة الجماعية والتهجير القسري لمن تبقى على قيد الحياة إلى خارج فلسطين التاريخية. هذا هو برنامج العدو، بل وأكثر من ذلك. ومن هنا، تكون مسؤوليتنا أكبر.

إن الاستجابة لله وللرسول في مرحلة وقف العدوان تعني، في أقل تقدير، تقديم الدعم اللازم لإعادة إعمار غزة، وتوفير كل أشكال الدعم المادي والمعنوي ومقومات الصمود لأهلنا المكلومين هناك، مع بقاء اليد على الزناد والعين على تحركات العدو. فهذا عدو لم يشهد له التاريخ ولو بشائبة خيرية واحدة، فهو شر مطلق، ومعروف عنه منذ القدم نقضه للعهود.

والاستجابة لله وللرسول تتمثل أيضًا في العمل الجاد على تفعيل تيار الوعي في ذهنية كل مسلم وحر، والإبقاء على روح الجهاد حاضرة في نفوس أجيالنا لتتوارثها كما تتوارث جيناتها. كما تتمثل في العمل ليلًا ونهارًا على مراكمة القوة والإعداد الجيد لكل جولة من المواجهة، من خلال بناء الإنسان الحامل للقضية الأقدس بين أضلعه ونبضات قلبه.

والاستجابة لله وللرسول تشمل أيضًا محاسبة العدو على جرائم الإبادة وعلى جرائمه الأخرى، التي ستتكشف أكثر أمام العالم بعد انسحابه من غزة. وحيث إنه، وبمقتضى القانون الدولي، فإن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم. وعلى كل حر وشريف أن يكشف للعالم طبيعة هذه الخطيئة الغربية الكبرى في خلق هذا الكيان المجرم الذي زرعوه في منطقتنا.

والاستجابة لله وللرسول تعني أن يصرخ كل حر وشريف باسم الإنسانية، التي تمت استباحتها في غزة وأمام مرأى العالم، ليكشف زيف “عجل السامري” الذي سحروا به عقول العالم لعقود وسمّوه باسم “الحضارة الغربية والمؤسسات الحقوقية الدولية”.

لقد واجهت غزة، ومعها القلة المخلصة من الأحرار، كل وحشية العالم “المتحضر”، وانتصرت.

ختامًا؛ نقول لأهلنا في غزة: (سلام عليكم بما صبرتم). الرحمة للشهداء.

ونقول لكل من ناصر غزة: لقد نلتم شرف الحضور في أقدس الساحات، فهنيئًا لكم.

(والعاقبة للمتقين).

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى