رفض التطبيع.. خطوة القوة
لم أستغرب أبدًا من هرولة أكثر أنظمة الخليج وغيرها نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولا أخفيكم القول بأني كنت مستغربًا من تأخّر هذه الهرولة حتى الآن، ولكن يبدو أن سيد البيت الأبيض كانت له رؤية في التأنّي يراها من خلال استراتجية رسمها خلال الليل، ثم انتظر توقيت نضوجها، ثم أخرجها للواقع في الوقت الذي غلب على طنّه أنه الوقت الأكثر مناسبة.
عندما كنتُ أطالع في الموسوعة التي كتبها الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري، والمعنونة باسم “اليهود واليهودية والصهيونية”، والتي أخذت منه أكثر من عشرين عامًا من العمل، مرّت جملة استوقفتني كثيرًا، عندما كان يتحدث عن الجماعات الوظيفية والدور الموكل إليها فقال: “من الآن فصاعدًا سنجد يهودًا في ثياب مسلمين ! اليهودي الوظيفي، مسلم يصلي معنا صلاة العشاء جماعةً في المسجد لكنه يقوم بنفس الدور الذي يقوم به الجنرال اليهودي الصهيوني !، وعليه يجب علينا تحليل تلك الظاهرة حتى لايتحوّل كثير منّا إلى يهودٍ دون أن يدروا”.
نعم يجب علينا أن نُعيد قراءة واقعنا وحركة تفكيرنا، ومن ثم ما المُخرج العملي الدقيق لهذه القراءة المُعمقة، والبعيدة عن العواطف والسطحية، والتي تملك رؤية نقدية للذات من جهة، وللأداء الجمعي المقاوم للمشروع “الصهيوأمريكي” من جهة أٌخرى، لكي لانصبح جماعة تقوم بدور وظيفي للآخر دون أن تشعر، وحسب تعبير المسيري، حتى لا نتحوّل إلى يهودٍ دون أن نشعر.
من هنا نقول للذين سارعوا إلى عدو الأمة يبتغون عندهم المكانة والحماية والأمن والاستقرار الاقتصادي وغيره، كشفتم أنفسكم وهويتكم بأنكم أحجار على رقعة شطرنج مهمتكم الكبرى في حياتكم هي أداء الدور الوظيفي الذي وكّلتم به، فلم تزيدونا بهذا التصرف سوى إيمانًا بالحق الذي آمنا به وعشنا عليه وسنموت عليه بإذن الله تعالى، ونذكر أنفسنا أين يجب أن يكون رهاننا ومع من ؟ وننظر للغرب النظره الحقيقية على أنه الغرب المُستعْمرْ، والمُشغّل لكل الأدوات في المنطقة، بل هو راسم الأدوار الحقيقي ليحافظ على سيادة الرجل الأبيض على الموارد والخيرات والخبرات، فلا يمكن له أن يكون هو المخلص لهذه الأمة من كل أزماتها، وهو في الحقيقة من أدخلها في هذه الأزمات، بل الساعي الدائم لإغراقها في مزيد من الأزمات، ومن السذاجة بمكان أن نجعل من الغرب المُستَعْمر خصمًا وحكمًا في آن واحد.
رهاننا على شعوب المنطقة رفضها لكل مشاريع التقسيم والضم والتطبيع الرامية إلى إضعاف المنطقة بكاملها، ليصبح الكيان الأقوى بكل معايير القوة، وليستطيع هذا الغرب وزبانيته في الداخل والخارج الاستمرار بسرقة اقتصادنا وفرحة أطفالنا وكرامتنا. إفشالنا لهذه المشاريع هو الخطوة الأقوى نحو تحررنا الكامل.
(وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)(التوبة 105).
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين