القدس بوصلة الحق
في عام 1969، وبعد أيام من قيام الصهاينة بإحراق المسجد الأقصى في 21/آب من العام نفسه، تداعت الدول الإسلامية إلى تشكيل “منظمة المؤتمر الإسلامي”، التي أصبحت تدعى فيما بعد “منظمة التعاون الإسلامي”، وقد أعلن المؤتمر التأسيسي في الرباط مبادئ الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين المتمثلة في القدس وقبة الصخرة.
وفي عام 1975 قررت المنظمة إنشاء ما يسمّى “لجنة القدس”، وإسناد رئاستها إلى أحد ملوك الدول الإسلامية.
واليوم، بعد كلّ تلك السنين من تأسيس تلك المنظمة واللجنة، ننظر فنرى موضوع القدس غائباً عنهما، حتى على مستوى الكلمات والتصريحات، وكان آخر اجتماع عقدته لجنة القدس في العام 2014، بعد انقطاع لمدة 12 عاماً.
لا بل إنّ الأمر أدهى وأمرّ، لأنّ المناداة باسم القدس والمطالبة بتحريرها كادت أن تصبح جريمة بحكم القانون، في كثير من هذه الدول التي لطالما ادّعت الدفاع عن القدس؛ القدس التي تقف وأهلها اليوم في مواجهة كل أصناف الإرهاب والعدوان الصهيوني، والإصرار على تصعيد الانتهاكات التي يقوم بها المستوطنون ضد المسجد الأقصى خصوصاً، وضد كل القدس والمقدسيين، وضد كل الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة.
دعونا نستمع من فلسطين إلى التحذيرات التي يطلقها الفلسطينيون تنبيهاً على الأخطار المحدقة، والتحركات المختلفة التي يقوم بها المقدسيون بالتضامن مع إخوانهم في باقي المناطق لحماية المسجد الأقصى، ولو عبر الاعتكاف فيه خلال شهر رمضان، والمرابطة في ساحاته.
ونطالع على الطرف الآخر التحضيرات المحمومة التي يعمل عليها الصهاينة لاقتحام المسجد الأقصى، وأداء الطقوس التلمودية في أرجائه، بما في ذلك ذبح القرابين ونثر الرماد.
ومن ناحية أخرى تقوم السلطات الصهيونية بحملات عسكرية يومياً ضد العديد من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وفي كل صباح هناك أخبار جديدة عن شهداء وأسرى يضافون إلى قائمة تطول وتطول دون اهتمام من أي منظمة حقوقية أو هيئة أممية.
ومالنا ولتلك المنظمات والهيئات إذا كنّا نملك لجنة القدس ومنظمة التعاون ورابطة العالم الإسلامي وجامعة الدول العربية !!
ولكن الأسماءَ في مكان والأفعال في مكان آخر، كما قال الشاعر: “ألقابُ مملكةٍ في غير موضعها؛ كالهرّ يحكي انتفاخاً صولةَ الأسدِ”؛ حتى وصلت الوقاحة الصهيونية قبل أيام قليلة، إلى درجة إعلان ما يسمى وزير خارجية الكيان الصهيوني أنّ الباب مفتوحٌ لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، إذا قامت بالالتزام ببعض الشروط التي حدَّدها !!!
إذن ليس المشروع الرسمي اليوم – إلا من رحم الله، وقليلٌ ما هم – مشروع القدس، بل هو مشروع الانخلاع من كل مسؤولية، والتنكّر لكل واجب، والإغضاء عن الحقوق، والمسارعة في التطبيع الذليل مع العدو، وبيع كل الشرف والكرامة – حتى الشخصية – والحقوق في سوق النخاسة الأمريكية الصهيونية.
أمَّا المشروع الفلسطيني فهو في مكان آخر تماماً، وهو مشروع كل أحرار العالم وأبناء الأمة الشرفاء؛ إنّه هناك حيث تُدفع الأثمان وتقدَّم التضحيات وترتفع الصلوات والدعوات.
ولننظر جميعاً متأملين في المشهد الفلسطيني، من ساحات المسجد الأقصى، إلى منابر كنائس القدس، إلى شوارع وأزقة القرى والمخيمات، ثمّ إلى غزة والنقب، وكذلك إلى قاعات المحاكم الشكلية التي ينصبها العدو لتقنين إجرامه بحقّ الأسرى الأبطال.
في هذه المحلات جميعاً نرى المشروع الحقيقي، حيث يعلن الفلسطينيون موقفهم الذي لا يحتاج إلى منظمات أممية ولا إلى منابر دبلوماسية، ويصدحون بأفعالهم ودمائهم قبل حناجرهم وكلماتهم بقرارهم العتيد، أن لا تنازل عن شبر ولا عن ذرة تراب واحدة من هذه الأرض المباركة، وأن التحرير والعودة هدفنا الأكيد.
رحمة الله على الأنفس الزاكية والأرواح الطاهرة لشهداء فلسطين، ولكل شريف عمل من أجل فلسطين؛ وسلام الله على أرض لا يريد لها المعتدي سلاماً، ولكن كلمة الله هي العليا؛ سلام الله على فلسطين وأهل فلسطين.
محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين