مقالات

لماذا المساجد؟

تاريخ الحروب على الأمة الإسلامية طويل جداً، ولكنه يتجلى بعدة مظاهر، وتختلف أدواته، ولكنه دائماً يطالعنا بفكرة ثابتة، تكاد لا تتخلف أبداً، وهي استهدافه لكل ما من شأنه زرع الوعي في الأمة، فتارة يستهدف المسجد، وأخرى يستهدف العلماء بكل اختصاصاتهم، واستهداف المكتبات ومراكز الدراسات، وسرقة التراث الدال على هوية الأمة الحضارية.

من أجل فصل الأمة عن مقومات وجودها، والتصدي لكل فكرة من شأنها التنمية والخروج من التبعية للغرب الاستكباري الظالم.

من هنا يمكننا أن ندرك بوضوح لماذا يتم استهداف مساجد وعلماء وقادة غزة، ولماذا هذا التدمير الشامل لكل أماكن صناعة الإنسان في كل فلسطين .

لقد فهم الاحتلال كما الاستعمار الدرس، أكثر من فهمنا نحن، فهم أن المآذن هي عبارة عن سهام ورماح موجهة إلى جسده المستكبر والمستعلي، وأن هذا الجسد لن يكون في أمان طالما أنها واقفة بشموخ، وفهم أن تحت قباب هذه المساجد يُصنع جيل يحمل عقيدة راسخة بحقه المُنبثق من كتاب الله وتوجيهات رسوله، وعمل الرعيل الأول الذي فهم الرسالة دون غبش ولا انحراف، فعمد العدو إلى تسوية هذه المساجد بالأرض، وفهم بعمق أن وظيفة المنبر ليست فقط الوعظ التراثي، وإنما صناعة الإنسان المجاهد، وأخيه الحاضن والداعم للجهاد، والمرأة التي فهمت دورها الحقيقي في الحياة، فمارسته بدقة وروعة من الدرجة الأولى، أدرك الاحتلال أن الخطر الحقيقي على وجوده لا يبدأ من الأنفاق، لأن الأنفاق هي ثمرة وعي القرآن وكلام الرسول والتاريخ والدور الذي حملهم إياه خالقهم، لهذا كله استهدف الاحتلال كل المساجد وكل مرافقها، رامياً من وراء هذا الاستهداف، استهداف العقيدة والدور والروح الجهادية التي بثتها تلك المساجد في نفوس الراكعين الساجدين الذاكرين.

المتابع للمشهد يقف مذهولاً أمام ما يُشاهد أمام عينيه، مساجد مدمرة يُرفع الأذان من فوق ركامها!!! خيم للنازحين بعد تدمير بيوتهم وهي غارقة بالمياه من شدة الأمطار، ولكنها عامرة بحلقات تحفيظ القرآن!!! صلاة الجماعة وما يرافقها من دروس التمكين والثبات، تُقام بين البيوت المُدمرة، لقد دمر الاحتلال الحجارة بإجرامه الغير مسبوق، ولكنه لم يستطع تدمير الروح الشامخة والكامنة في نفوس الذين صنعتهم المساجد من المجاهدين والمجتمع الحاضن للجهاد والمجاهدين. غزة اليوم على وجه الخصوص، وفلسطين على العموم هي فكرة الحرية والكرامة والعزة، تم صنعها في الداخل، وسوف يتم تصديرها لكل الإنسانية المظلومة والمقهورة، لذل فهي على يقين لا يشوبه شك بأنها باتت إلى الحرية وزوال الاحتلال أقرب من أي وقت مضى .

هل سنعيد للمسجد دوره بعد أن أدركنا أن المسجد أكبر من الجدران؟ هل سوف نستدرك بالوعي العميق روح المسجد في عهد النبوة؟ الذي خرج الفاتحين، والقادة الفكريين، والاقتصاديين الذين حفظوا ثروة الأمة ووظفوها في مكانها المناسب؟

ستنتهي الحرب على غزة وفلسطين، وسيخرج المقاوم المجاهد شامخاً وعصياً على الانكسار والهزيمة، وسيعود المسجد بعد بناءه ليمارس الدور من جديد، دور البناء والوعي والحضارة والكرامة، عودة منهج رب البشرية كلها، ليعيش الكل الإنساني بسلام وأمن.

منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى