الكيان الغاصب بين فاعلية الإزالة وانفعال الزوال
يؤمن جميع المتمسكون بقيم العدالة والسلام، وبحق الشعوب في الحرية والكرامة والأمان، أنَّ الكيان الغاصب الصهيوني كسائر كل أنظمة الاحتلال التي عرفتها البشرية، هو كيانٌ زائل لا محالة. تنبئنا بذلك سُنن التاريخ ووقائعه الصادقة، وليس بينه وبين هذا الزوال إلا سنوات تطول أو تقصر بحسب عوامل متعددة، نشير إلى بعضها ههنا.
بل إنَّ قادة هذا الكيان وجمهورَه من المستوطنين يعتقدون بهذا الزوال، وهذا أمرٌ غدا الجهرُ به والتحذير منه حديثاً يومياً لدى السياسيين والإعلاميين ومراكز البحث الصهيونية.
وما مؤتمر الأمن القومي الصهيوني ال16 الذي انعقد يوم الأربعاء الماضي في مستعمرة تل أبيب، إلا شاهد واحدٌ على ما نقول، حيث سيطر الحديث عن خطر الصدع والصراع الداخلي في الكيان الصهيوني على أغلب النقاشات التي شهدها المؤتمر، إضافة إلى الحديث عن خطر العمليات الفدائية الصهيونية، التي تردد بين الحاضرين التخوّفُ من اشتداد أوارها في شهر رمضان القادم.
هذا الصراع والصدع الصهيوني من جهة، والعمليات الفدائية الفلسطينية من جهة أخرى؛ يمثلان قانونين أساسيين يتحكمان في مدة عمر هذا الكيان الزائل؛ وفي القرآن الجليل آية معروفة، تصوغ هذين القانونين في معادلة مترابطة كمثل كَفَتَيْ ميزان… آية ترسم مصير الباطل وتحدد زواله بعاملين، أولهما مجيء الحقّ وثانيهما انفعال الباطل للزوال المعبَّر عنه بمصطلح الانزهاق: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)
فالباطل زاهق لا محالة، لأنَّه بطبعه (زَهوق) كما أثبتَ القرآنُ الكريم، والتعبير بصيغة (فَعول) إشارة إلى استحكام هذه الصفة في الباطل، وأنَّه لا جوهر أصيلاً له يحمل مقومات البقاء، وإنما وجوده واستمراره مرهونان بعوامل خارجية، إضافة إلى تخلُّف أهل الحقّ عن الإقدام والمجيء.
وهذا حال الكيان الصهيوني الباطل، إذ اعتمد في إنشائه على تضافر القوى العالمية الاستعمارية في دعم المشروع الصهيوني لغايات خاصة، وعلى ضعف قاتل كانت تعيشه هذه الأمة، في مطلع القرن العشرين وخلال العقود التي تلت، ولكنها لم تعد اليوم كما كانت آنذاك.
وإذا كان هذا الدعم الغربي الاستعماري للكيان ما زال قائماً حتى اليوم، بل وأضيفت إليه اتفاقات التطبيع التي أريد منها إعطاء الكيان جرعةً من أمان وقوة؛ فإنَّ كلّ ذلك لم ولن يمنع بقية العوامل المؤثرة في زوال الكيان من النماء والحضور.
وقد درس مؤتمر الأمن القومي الصهيوني الذي ذكرناه أهمية استثمار اتفاقات التطبيع المعلنة والمخفية، والتي عُقدت أخيراً تحت اسم (أبراهام)؛ كما درس التغييرات الدولية التي يجب على الكيان الغاصب الاستفادة منها، وفي مقدمتها حرب أوكرانيا، لكن المشاركين في المؤتمر توقفوا طويلاً عند عاملي الصدع الصهيوني والفداء الفلسطيني كما أشرنا؛ وهنا موطن الشاهد الذي يصوغه القرآن في قانون مفاده: إنَّ الباطل منفعلٌ في ذاته للزوال، لأنّه زَهوق بطبعه، لكن هذا الزوال لن يتحقق إلا بمجيء أهل الحق وإقدامهم، أي بفعاليتهم المزيلة للباطل، وهذا ما يحققه أهل الفداء في فلسطين وما حولها.
وما بين انفعال الباطل للزوال، وفعالية أهل الحق في الإزالة، يتحقق “الوعد الإلهي التاريخي السُّنني الرحمَويّ” في محو هذا الكيان الغاصب الذي قام على أكذوبة “الوعد العنصري الأسطوري الحربَويّ”.
بقلم الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين