مقالات

شباب فلسطين.. عدّة الوعد الحقّ

كتب الأنبياء الكرام التاريخَ بأفعالهم، التي اقترنت بشتى أنواع التضحيات وأقسى التجارب، لكنّ كل واحد منهم، صلوات الله عليهم، حقَّق أهدافه، التي تقوم أساساً على توصيل الرسالة، وتقديم الأسوة لمن حولهم، تاركين للناس حرية الاختيار بين طريقي الهداية أو الضلال.

كان كلام الأنبياء نَزْراً قليلاً، وكذلك كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي وصفته أم المؤمنين رضي الله عنها بأنّه (لو عدَّه العادُّ لأحصاه)؛ ولكن من الذي يستطيع أن يحصي أفعاله صلى الله عليه وسلم ؟! وأن يستوعب حركته التي لا زالت حتى اليوم تشكّل أحد أهم عوامل صنع التاريخ ؟!

وعلى نهج الأنبياء يسير المصلحون، ويمضي المؤثرون الذين يرسمون مسارات الأمم؛ يتكلمون قليلاً ويفعلون كثيراً، بصمت ينطق أبلغ الكلام ؟

ويبقى كلامنا في وصف أفعالهم كحاشية على صفحات كتاب، لا تؤدي شيئاً أكثر مما تؤديه كلمة (الشمس) في حكاية النور والدفء والحياة التي تنشرها الشمس الحقيقية في هذا الفضاء.

وهذا هو حالنا عندما نصف ما يجري في فلسطين، أو نتحدث عمّا يقوم به شبابها الأشبال، الذين يؤكدون بأفعالهم سقوط حسابات المستكبرين والطغاة والمجرمين، الذين يراهنون على موت الأمم، وعلى انكسار إرادة الحياة، وعلى سقوط الإنسان.

كما يؤكد هؤلاء الفدائيون أن استقرار المحتل الغازي ضربٌ من المحال، ما دام أهلها مستمسكون بحبل الحقّ، لا يسلّمون للمعتدي بشيء مهما طغى وتجبّر وسامهم صنوف العدوان والدمار.

نعم. وإنَّ هؤلاء الشباب يؤكدون صدق الوعد النبويّ الشريف في انتصار العدل على الظلم، واستقرار الأمن والسلام في الأرض، بعد أن يبذل أهلها ما يجب عليهم من دون استعجال، أي من دون تفريط بأداء الواجبات.

يحكي أبو عبدِاللَّهِ خَبَّابِ بْن الأَرتّ رضي الله عنه قصةً حدثت معه في قمة اشتداد أذى قريش على المؤمنين قبل الهجرة، وفي الحال التي يمكن أن يصل فيها الإنسان إلى غاية اليأس وفقدان الأمل، فيقول: شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ، فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا ؟ وكأنّ خباباً وأصحابه يطلبون تدخلاً إعجازياً ينقذهم مما يصيبهم. فماذا كان جواب الحبيب الأكرم عليه الصلاة والسلام ؟

لقد قَال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم، ويقول لنا ولكل مظلوم ثابت على الحق: (قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ! واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) رواه البخاري.

 وقوله عليه الصلاة والسلام لهم: (ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) تنبيهٌ وتعليم مِن مُحبٍّ شفيق رحيم؛ وكأنه يقول: لا تطلبوا الشيء قبل مقدماته، فاعملوا، وابذلوا، ولا تكونوا في شك من تحقيق وعد الله تعالى.

ونحن نرى كيف يعمل الفلسطينيون اليوم بهمة وشرف وإباء على تهيئة المقدمات الصحيحة، ونرى كيف يبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل تحرير أرضهم، وهذا ما يجعلنا متأكدين من اقتراب هذا التحرير، ونحن نتطلّع إلى قول الله تعالى:

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا). سورة النور

بقلم الشيخ محمد أديب ياسرجي
أمين سر الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى