مقالات

الجهاد نفرة لازمة مع مقاومة دائمة

الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

{كُتِبَ ‌عَلَيْكُمُ ‌القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216].

إن خوض الإنسان، حتى فيما هو مكروه للنفس، ما دام في سبيل الله فإنه أمر يرفع درجات المؤمن عند الله تبارك وتعالى.

وفي ذكر أمرَ الكُرْه إنصاف للمؤمنين، فصحيح أن القتال أمر صعب ويكرهه الإنسان، لكن الحق قد كتبه، والمؤمن إذا استحضر الجزاء الإلهي على المكروهات النفسانية فإنه يحتقر ما يفقده من متاع الدنيا؛ طمعاً بما عند الله، وهو الأبقى؛ لأن الدنيا قليلٌ جميعُ ما فيها بالنسبة لعطاء الله.

لذلك ينفر المؤمن الحق والمجاهد الصادق مِن الذي يملكه، ويذهب للثواب الأعلى، والأجر الأعظم، وهذا هو المعنى بالتحديد في تسمية الجهاد (نفرة).

فحين يقارن المؤمن بين حصيلة ما يأخذه من الجهاد، وما يمسكه عن الجهاد لَيتساءل: ما الذي يجعلني أتمسك بالأقل؛ ما دام هناك عطاء أكثر؟!!

إن جزاء قتال أعداء الله وأعداء الإنسانية: إما النصر، وإما الشهادة.

لذلك ترى المؤمن الصادق يحلو له قتال الأعداء إذا فُرض عليه؛ لدرجة العشق، ويبادر إلى ساحات الوغى بكل ثبات ورباطة جأش، كالصحابي في بدر بعد أن سمع ما للشهيد من الأجر، وكان في فمه تمرة يمضغها فقال: أليس بيني وبين الجنة إلا أنْ أقاتل فأُقتل؟ ثم ألقى التمرة وأسرع إلى ساحة القتال.

لذلك ترى الحق سبحانه يُضخم الجزاءات في نفس المؤمن وقلبه، وروحه وفؤاده؛ ليُقْبِل على العمل المطلوب بكل حب وشغف.

ومن هنا يقول بعض العارفين الذين عشقوا الخير حتى أصبح شهوةَ نفْس عندهم: أخشى ألَاّ يُثيبني الله على الطاعة، لماذا؟ يقول: لأنني أصحبتُ أشتهيها، أي: كما يشتهي أهل المعصية المعصية.

وإنما كان الجهاد القتالي كُرْهاً للإنسان، لأن فيه إخراجَ المال، ومفارقةَ الوطن والأهل، والتعرضَ بالجسد للشّجاج والجراح وقطع الأطراف وذهاب النفس، فكانت كراهة الناس للقتال من أجل ذلك، لا أن أهل الإيمان كرهوا فرض الله تعالى.

قال عكرمة في تفسير هذه الآية: إنهم كرهوه ثم أحبّوه، وقالوا: سمعنا وأطعنا، وهذا لأن امتثال الأمر يتضمن مشقة، لكن إذا عُرِف الثواب، هان في جنبه مقاساة العذاب، ولا نعيمَ أفضل من الحياة الدائمة في دار الخلد والكرامة في مقعد صدق.

وبالرغم من كراهة الجهاد لما فيه من المشقة، فإنه هو سبيل العزة والغلبة والنصر، أو الشهادة.

نعم، إن الجهاد القتال، وإن كان مكروها كما حدثنا القرآن: {‌كُتِبَ ‌عَلَيْكُمُ ‌الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} إلا أنه هو السبيل الوحيد للحفاظ‍ على كرامة الأمة، ومنعة البلاد، واستقلالها، والحفاظ على مصالح الأفراد والجماعات والمجتمعات والشعوب والأمم.

والجهاد هو سبب للذود عن الحرمات، وحفظ الأموال، والمحافظة على الأعراض، وهو طريق لدفع العدوان وقمع الأطماع، وهو الأساس في توفير عزة الأمة ومجدها.

وبدون المقاومة والجهاد تكون المصالح العامة والخاصة مهددة بالزوال.

لذا فرضه تعالى، للضرورة، من أجل الحفاظ‍ على هذه المقاصد، ولمنع الفتنة في الدين، ومن أجل حماية المستضعفين، والتمكين لحرية الإنسان في اختيار معتقده، وصد العدوان، ودحر الطغيان، وإخراج المحتلين.

وعندما يترك المؤمنون الجهاد، ويجبنوا عن القتال، ويُكثروا من الفرار، وينأون بأنفسهم؛ تتفرق كلمتهم، وتشتت وحدتهم، ويستولي العدو على بلادهم؛ الأندلس وفلسطين وغيرهما خير شاهد.

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “لغدوة [زمن ما بين طلوع الشمس إلى الزوال] فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ‌رَوْحَةٌ [زمن ما بين الزوال إلى الليل]، ‌خَيْرٌ ‌مِنَ ‌الدنيا وما فيها” صحيح البخاري ومسلم.

والمعنى: قضاء مثل هذا الوقت في سبيل الله أكثر ثواباً من التصدق بالدنيا وما فيها، أو خير لمن فعل ذلك مما لو ملك الدنيا وما فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى