مقالات

من عاشوراء إلى سابع تشرين.. شهداء على طريق الإصلاح

لطالما حدّثنا القرآن الكريم عن سِيَر الأولين، وهو يحفل بأنبائهم وبيان عاقبة الذي طغوا في البلاد وكذبوا بآيات الله واعتدوا على عباده، وما جرى على المؤمنين والظالمين، في مجرى التاريخ الذي يخضع لسنن وقوانين لا تبديل ولا تحويل لها، فمن أراد التفكر والاعتبار ففي القرآن الكريم غايته ومراده:

﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ﴾

وحديثُ عاشوراء في التاريخ كحديث موسى عليه السلام وفرعون، أو كحديث قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح؛ وكل ذلك يجري مثله اليوم وسيجري أيضاً في المستقبل القريب والبعيد، إذ لن تخلو الأرض من قائم بالقسط في مواجهة طاغوت ما، قد تختلف مظاهره وأدواته، لكن حقيقته الطاغوتية لا تخفى، وسوف تتجلى أكثر وضوحاً كلما ازداد الطاغوت فجوراً وقتلاً وإفساداً في الأرض.

ولئن كان الإمام الحسين عليه السلام ضحيةً لصراع مستمر، في جهة منه نجد تحالف العصبية القبلية مع الملك العضوض ونظرية الجبر وكنز المال، وفي الجهة الأخرى نجد الأخوّة الإيمانية والخلافة الراشدة وحرية الإنسان وتداول الموارد لما فيه صالح الإنسان؛ فإنّ في واقعنا اليوم ضحايا كثيرون على سنَّة الحسين عليه السلام والرضوان وقضايا متجددة تمثل نهجه ورسالته ومبادئه.

لقد افتتحت المدنية الرأسمالية الغربية عصرها الذهبي بإبادة السكان الأصليين في العالم الجديد الذي صار اسمه أمريكا وأستراليا، ونهضت صناعتها واقتصادها على الموارد التي نهبتها ولا تزال من إفريقيا وآسيا، تاركة أصحاب الأرض في فقر وعوز، ناهيك عن الأمراض والآفات التي نشروها في أرجاء المعمورة، والتي طالت البشر والطبيعة بكل مكوناتها، حتى وصل إفسادهم إلى تلويث الفضاء الخارجي بملايين البقايا من صورايخها وأقمارها التي تستخدمها للتحكم في الناس.

وليس الكيان الغاصب إلا أداة من أدوات هذه السيطرة الغربية، وقاعدة عسكرية ضرورية للتحكم في الشعوب والموارد وأسواق تصريف المنتجات، وليست الصهيونية – سواء أكان معتنقها مسيحياً أم يهودياً أم غير ذلك – إلا غطاء لهذه الحقيقة، التي أكّدها السياسيون الغربيون مراراً.

لقد صرح الرئيس الأمريكي بايدن خلال زيارته إلى الكيان الغاصب بعد انطلاق ملحمة طوفان الأقصى قائلاً: “لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أمريكا خلق إسرائيل لحماية مصالحها”، وهو بهذا يعيد تصريحاً أدلى به قبل 37 عاماً، وأضاف فيه: إنّ المليارات الثلاثة التي كانت تدفعها الولايات المتحدة سنوياً في ذلك الوقت لدعم الكيان الغاصب هي أفضل استثمار تقوم به الولايات المتحدة لحماية مصالحها.

وأخيراً عاد بايدن ليكرر المقولة نفسها في حملته الانتخابية الحالية، في إعلان واضح عن استمرار الدعم المطلق والتمويل غير المحدود والإمداد غير المتوقف بأسلحة الدمار التي يستخدمها الكيان الغاصب في ارتكاب المجازر الوحشية بأهلنا في قطاع غزة، وآخرها مجزرة المواصي التي تمَّت باستخدام القنابل الضخمة التي زعمت الولايات المتحدة منذ أشهر أنها لن تزود الكيان بها.

في المقابل تبرز أمامنا في غزة مواقف لا يمكن فهمها إلا بمنطق الإيمان والحب والتضحية الذي هو منطق الحسين عليه السلام، ومنطق كل الأنبياء والمصلحين والثائرين من أجل الحق في كل زمان ومكان.

في غزة تتكرر نماذج العباس وزينب والسبعين حراً وشهيداً من أصحاب الحسين رضي الله عنهم وأرضاهم في كربلاء، وتقف امرأة غزية فوق جثمان ابنها الشهيد وهي تنادي: (اللهم خذ من دمائنا حتى ترضى. هذا الشهيد الرابع من أولادي، والأخير. وأنا رايحة وراهم بإذن الله).

في غزة يقف المجاهدون والنساء والأطفال والشيوخ وكل فئات المجتمع لا في وجه الإجرام الصهيوني فحسب، ولكن في وجه المنظومة الرأسمالية والعنصرية الغربية، التي تبغي الفساد في الأرض.

وكما انتصرت إرادة الإمام الحسين عليه السلام ونهجه وانتصر القرآن الكريم بشهادته وتضحيته، فإنّ غزة سوف تنتصر بفضل تضحية أبطالها وبركات دماء شهدائها، وفي ذلك تحرير لفلسطين وإصلاح لمسيرة الإنسانية كلّها بإذن الله.

مسؤول قسم التخطيط والدراسات في الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين
الشيخ محمد أديب ياسرجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى