شهادة الإمام الحسين وغزة البطولة
الأستاذ الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري
تمر علينا ذكرى استشهاد سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه، وتداعيات طوفان الأقصى قائمة، وتسعة من الشهور لم يعدَّها العدو في الإبادة الجماعية كافية، حيث ما زال يستمر في العدوان والطغيان.
وها هم إخوة لنا في غزة، يقتلهم عدوٌ لدود، ويسطو عليهم بشر جحود، لا يبغي الخير، بل ما يريده هو الشر، يسعى للطغيان، ويستعين بمن طبعه العدوان.
نعيش ذكرى استشهاد سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه وسلام الله عليه، من أجل أن نتذكر قيمة الشهادة، ومن أجل أن نُحَيِّيَ الشهداء، في أرضنا المحتلة في فلسطين وفي جميع الساح في محور المقاومة، سائلين المولى عز وجل لهم أن يلحقهم بالإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه.
أيها الإمام الحسين، أنت من قال عنك سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: “حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا” [الترمذي].
وثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع الحسين يبكي، فالتفت إلى السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، وقال: “يا فاطمة، أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ بُكاءَهُ يُؤْذِينِي؟” [الطبراني].
فكيف يمكن أن نتحدث عن قتله إذا كان بكاء الحسين يؤذي النبي، فما بالكم بقتله، وتقطيعه، وقطع رأسه.
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم وهو ينظر إلى الحسن والحسين سلام الله عليهما والرضوان: “مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي” [ابن ماجه وأحمد].
وأما ما قاله الإمام الحسين نفسه؛ فلقد وقف أمام أهله وجماعته وأنصاره؛ وكأنهم يُساءلونه: لمَ تخرج يا أبا عبد الله؟
كما سؤال حكام اليوم: لماذا طوفان الأقصى يا [حماس]؟
إِنَّ الْحُسَيْنَ خَطَبَ أَصْحَابَهُ وَأَصْحَابَ الْحُرِّ بِالْبَيْضَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: (مَنْ رَأَى سُلْطَانًا جَائِرًا مُسْتَحِلا لِحَرَمِ اللَّهِ، نَاكِثًا لِعَهْدِ اللَّهِ، مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ الله، يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلا قَوْلٍ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مُدْخَلَهُ) [الطبري، 5/403].
فما بالكم بمعتدٍ أثيم، محتل مجرم رجيم، لا يرعى في الإنسان حقاً، ولا يرى لغيره عيشاً، ولا لصاحب الحق حقاً؟!!
ويتابع الإمام الحسين مقاله: (أَلا وَإِنَّ هَؤُلاءِ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ، وَتَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ، وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ، وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ، وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ، وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَّهِ، وَحَرَّمُوا حَلالَهُ، وَأَنَا أَحَقُّ مَن غَيَّرَ) [الطبري، 5/403].
فليس من يعيش تحت وطأة الاحتلال وفي ظل الظلم والاستكبار والإجرام، كمَن يعيش في بيته آمناً مطمئناً، يسمع الأخبار، وقد لا تسترعي انتباهه؟
ألا؛ وإنه من باب الواجب الإنساني والتكليف الإسلامي أن نفكر في أن نعمل على استعادة كرامة الأمة التي سُفكت، والإنسانية التي ضاعت، ونوقف مزيداً من الدماء وقد سُفحت.
يجب أن يفكر كلٌ منا في سبيلٍ؛ من أجل كيفية إعادة الكرامة، واستعادة الأرض، ومن أجل حقن الدماء التي تُراق من غير سبب مشروع يهريقها ويسفحها غاشم لدود، عرفت الإنسانية كلها أنه غدة سرطانية؛ لا وجود لها في هذا المكان.
أيتها الشعوب، أيها الحكام: ألم تدركوا ـ بعدُ ـ أن الصهيونية عدوٌ لدود مجرم؛ يريد إبادتكم أنتم؛ حتى وإن واليتموهم، يُريدُ القضاء على كل مغايرٍ لهم، لا يريد إلا أن تنعم الصهيونية بخيرات الأرض، يريد ذاته، يريد عنصرية حدودها الصهيانية المعتدون المجرمون، مساحتها الأرض كلها، تبتدئ من الفرات إلى النيل، لتنتهي من مطلع الشمس إلى مغربها.
فيا أيها الناس: ألم تدركوا أن عليكم واجباً كبيراً إن لم يكن الأمر من باب الاستجابة لنداء الله في وحدتكم وجهادكم؛ فمن باب معرفة العدو الواحد. ألم يوحِّدكم عدوكم؟