أشد الناس عداوة
يبدو أننا نسينا الكثير من تاريخ بني يهود الذي حدثنا عنه الخالق في القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل، وهو الكتاب الذي أنزله خالق البشر والعالم بخلقه علماً لا يتبدل ولا يتغير مهما مرت العصور والأزمنة، واستبدلنا هذا العلم باجتهادات بشرية قد تصيب تارة وتخطئ أخرى، وهي معرّضة غالباً لعوامل الضعف والقوة بمعناهما المادي، مما يجعل هذه الاجتهادات قابلة وبشكل كبير لفقدان البوصلة الضابطة لحركة الصراع مع بني يهود.
لذلك لا بدّ من العودة إلى النص الذي لامجال فيه للشك والزيف والاجتهاد البعيد عن الصواب، وصدق الله حيث قال: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} الملك 14.
لن نستغرب أبداً بعد العودة المعرفية بهذا العدو لماذا يمنع وصول الغذاء والدواء والمياه إلى أهلنا في غزة، ولماذا يقصف المستشفيات والبُنية التحتية للبلاد بلا رحمة ولا شفقة ولا إنسانية، لماذا يهدم ويقتل كل الحياة البشرية وغير البشرية في حربه المسعورة ضد شعب ذنبه الوحيد أنه يُريد العيش بكرامة وحرية ويستعيد حقوقه المغصوبة.
سألقي الضوء من خلال هذه المقدمة على موقفنا من اليهود، وما هي طبيعة صلتنا بهم، من دون رُتوش، وبعيداً عن لغة السياسة والمُداراة، وكذلك بعيداً عن لغة الضعف والخور والذل الذي يبرره البعض بالواقعية السياسية وتوازن القوة ، وغيرها من المصطلحات.
يُخبرنا القرآن عن عداوة اليهود، وعن درجتها واستمرارها بآيات صريحة وواضحة كعين الشمس لا يختلف فيها اثنان فيقول واصفاً هذه القضية المصيرية ، والغير قابلة للتغيير {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} المائدة 82.
هل تخلفت هذه العداوة عبر التاريخ، أم إن التاريخ العيد والقريب يُرسخها يوماً بعد يوم ؟ لقد حارب اليهود المسلمين حرباً عنيفة منذ اليوم الأول للرسالة، واستمرت هذه الحرب بعنفها وشدتها طيلة التاريخ الإسلامي، وبلغت أعنف مظاهرها اليوم ، بعد أن صار لهم كيان مدعوم من الاستكبار العالمي من جهة، وتخاذل معظم النظام العربي والإسلامي من جهة أخرى.
لقد حارب اليهود المسلمين على مُختلف الجبهات، ووجهوا سهامهم في مُختلف المظاهر والمجالات، حاربوا المسلمين في السياسة والاقتصاد والثقافة والعسكر والأمن والتكنولوجيا والاتصالات والتجسس والعمالة، وحتى في الأخلاق الاجتماعية، وحاربونا في نظام الحكم والعقيدة وفهم آيات القرآن والأحاديث، ودسوا أساطير في التفاسير، إنهم منسجمون مع هذا العداء للمسلمين، ولكننا نحن الغير منسجمين مع العداء لهم، رغم أننا نقرأ القرآن صباح مساء، وكأن القرآن بالنسبة لنا ليس إلا كتاب بركة نتلوه على الأموات ليحصلوا على بركاته، وليس كتاب يُتلى على الأحياء ليحركهم في واقعهم، ويبني تصوراتهم ومن ثم يستلهمون من منهج حياة وجهاد مع عدوهم الذي وصفه الله لهم في هذا الخطاب الرباني.
قد يتساءل البعض عن سبب هذه العداوة، القرآن يُجيب لكي لا نضيع {ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردوكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} البقرة 109، إنها الحقيقة، حسد لانتقال القيادة الروحية والدينية والعقدية لهذه الأمة، وسلبها من اليهود الذين لم يرعوها، ولم يُحافظوا عليها. هل فهمنا؟
منسّق الملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين
الشيخ الدكتور عبد الله كتمتو