مقالات

أوهن من بيت العنكبوت

بعد أكثر من 400 يوم من حرب الإبادة الشاملة على قطاع غزة، وعدة أسابيع من العدوان الوحشي على لبنان، تغدو الأرقام مجرد إشارة، ترمز إلى الحقائق ولا تعبّر عنها بما يوفيّها حقّها، وبما يحفظ للتاريخ ما يجب أن يروى فيه عن هذه المحطة الفاصلة من مسيرة الإنسانية.

نعم. إنَّ أكثر من 44 ألف اسم تمّ توثيقها، لا تمثّل إلا بعضاً مما ستكشف عنه الأيام من شهداء غزة، غزة التي تقف في وجه حزب الشيطان، غزة التي تقاوم وتقدّم الشهداء وتتحمل ما لا يطاق من آلام النزوح وفقدان كل مقوّمات الحياة، غزة التي تفعل ذلك كلّه لله تعالى ومن أجل الدفاع عن فكرة الحق والعدل، وليس عن حقوق الفلسطينيين وحدهم، غزة التي تقوم بهذا الدَّور نيابة عن كل أصحاب الفطرة السليمة، ومعها الضفة والقدس وجنوب لبنان والضاحية وإخوة لهم في اليمن والعراق وكثير من البلدان؛ في مقابل كل مجرم وأفَّاك وجائر وقاتل وفي مواجهة كل المستكبرين والذين يسعون في الأرض فساداً.

لقد مازت هذه المواجهة بين هذين الفريقين، ولابدّ أن يستمر التَّماسُف والتفاصل فيما بينهما، حتى (يصير الناسُ إلى فسطاطين: فسطاطِ إيمانٍ لا نفاقَ فيه، وفسطاطِ نفاقٍ لا إيمانَ فيه)، كما جاء في الحديث النبوي، وسوف تستمر هذه المواجهة ما دامت الحياة موجودة، في خط متعرّج يتناوب يميناً ويساراً، ولكنه يتوجّه صعوداً باتجاه انتصار الحقّ وتغلّب المؤمنين، وهذا يقيننا الذي لا شكّ فيه، فحركةُ التاريخ لصالح الحقّ، وهذا ما تؤكده الروايات الصحيحة من خلال مقتل الدجال ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى بن مريم وخروج المهديّ عليهما السَّلام.

وأمَّا ما نراه من ابتلاءات وما يدفعه أهل الحقّ من أثمان باهظة في الأموال والأنفس، وما يصيبهم من ألم في هذه الحياة؛ فكل ذلك تمحيصٌ من الله سبحانه لهم، وهو يجري ضمن السنن والأقدار التي أقام الله هذا الكون عليها، ومن جملتها سنّة الدفع، التي هي مجاهدة أهل الحقّ للمبطلين، ولأجل القيام بها شرع الله القتال:

﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)﴾.

وبذلك نعلم أن كلّ ما يجمعه المجرمون من عتاد وسلاح وما يكيدون من خطط ومؤامرات فإنَّ مصيره إلى تبار، وأنَّ ما ينفقونه من أموال فهو كما قال الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)﴾.

ولن يكون مصير هذا الكيان الخبيث المجرم إلا كما قال القرآن الكريم عمّن سبقه من المجرمين: ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)﴾.

مسؤول قسم التخطيط والدراسات في الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين
الشيخ محمد أديب ياسرجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى